تونس | لعل العقبة الجديدة التي تواجه الحوار الوطني وخارطة الطريق التي توافقت عليها الأحزاب السياسية في تونس منذ ٢٣ كانون الأول الماضي، تتعلق بتنقيح القانون المُنظِّم للسلط العمومية.ففي الوقت الذي تصر فيه أحزاب المعارضة (وخاصة ائتلافي الجبهة الشعبية والاتحاد من أجل تونس، والحزب الجمهوري وحزب آفاق تونس)، على أن تنقيح القانون المنظم للسلطة العمومية هو جزء من خريطة الطريق، وبالتالي على الترويكا الحاكمة أن تلتزمه في المجلس الوطني التأسيسي، ترفض حركة النهضة، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، هذا التنقيح حتى لا تفقد سلطتها على الحكومة.

وبحسب القانون المنظم للسلطة العمومية، فإن سحب الثقة من الحكومة يتم بغالبية خمسين زائداً واحداً، وهذا ما يمكن حركة النهضة بسهولة من سحب الثقة من حكومة مهدي جمعة في حال «تجرأ» على مراجعة التعيينات رغم ورودها ضمن خريطة الطريق أو اتخذ قرارات تهدّد مصالحها.
لذلك طالبت المعارضة بتنقيح هذا الفصل حتى يكون سحب الثقة بثلثي الأعضاء، وهو ما رفضته كتلة «النهضة» التي استقال منها أربعة أعضاء نهاية الأسبوع على خلفية عدم موافقتهم على سلسلة التنازلات التي قدّمتها الحركة في ما يتعلق بالدستور وبالحوار الوطني.
وأُجلت أمس الجلسة العامة الى حين التوافق بين رؤساء الكتل على هذه النقطة وعلى باب الأحكام الانتقالية، اذ تتمسك كتلة «النهضة» وبعض المجموعات الأخرى القريبة منها مثل «المؤتمر» و«وفاء» وبعض المستقلين بأن يستمر المجلس الوطني في أعماله الى حين انتخاب مجلس نواب الشعب وانطلاق أشغاله بعد الانتخابات المقبلة، وهو ما ترفضه المعارضة التي تطالب بأن ينتهي دور المجلس بانتهاء الدستور والقانون الانتخابي والهيئات الدستورية التي لم يبق منها الا المحكمة الدستورية.
وتعول كتلة «النهضة» مع حلفائها على الحفاظ على المجلس التأسيسي كمصدر لكل السلطات، وهذا هو جوهر الخلاف الجديد الآن، وخصوصاً أن المعارضة ستطرح منصب رئيس الجمهورية للنقاش؛ إذ يصر حزب نداء تونس والجبهة الشعبية على أن الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي، عليه الاستقالة اذا كان ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة حتى لا يستغل موقعه كرئيس يتصرف في إمكانات رئاسة الجمهورية للدعاية الانتخابية، وأن يحل محله رئيس توافقي. هذا ما يرفضه المرزوقي، الذي أكد في خطابه الى الشعب التونسي في مناسبة الذكرى الثالثة للثورة، أنه لن يسلم السلطة الا لرئيس مُنتخب في إشارة الى ما تعتزم المعارضة طرحه.
ويواجه التوافق الهش عقبة أخرى، هي توقيع الدستور. ففي الوقت الذي جدد فيه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، أن رئيس الحكومة المستقيلة علي العريض، هو الذي يجب أن يوقّع الدستور، باعتبار تلازم المسارات التأسيسي والحكومي والانتخابي الذي اتفقت عليه الأحزاب السياسية، ترفض المعارضة هذا الاقتراح.
وتطالب المعارضة بأن يقدّم جمعة، الذي تنتهي مهلة تكليفه في ٢٤ كانون ثاني، حكومته للمجلس التأسيسي حتى ينطلق في العمل الفعلي، لأن وضع البلاد لم يعد يتحمّل الانتظار.
وفي انتظار حل هذه العقبات تتداول المواقع الاجتماعية والصحف تسريبات حول تشكيلة حكومة جمعة، ويشغل وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة لطفي بن جدو، النصيب الأكبر من الجدل، اذ ترفض المعارضة مواصلة مهماته في الوزارة على خلفية مسؤوليته في اغتيال الشهيد محمد البراهمي. لكن النقابات الأمنية تصرّ على استمراره على اعتبار حساسية الوضع الأمني.
ويبدو ان رئيس الحكومة العتيد، حسب مقربين منه أفادوا لـ«الأخبار»، متحمس لبقاء بن جدو الذي يواجه معارضة كبيرة، ولا سيما من الجبهة الشعبية، اذ أعلنت امس أرملة الشهيد محمد البراهمي موافقة عناصر القيادة في التيار الشعبي على أن وزير الداخلية مسؤول عن اغتيال زوجها، اذ لم يهتم بالإشعار الذي وصله من جهاز الاستخبارات الأميركية الذي يشير الى إمكانية اغتياله قبل 11 يوماً من وقوع الجريمة.
وترى المعارضة أن بن جدو فشل في حفظ الأمن، وكان خاضعاً لتعليمات حركة النهضة، وبالتالي فلا مجال لبقائه في الحكومة الجديدة.
المطبات امام التوافق الوطني في تونس لا تنتهي، لكن المنظمات الراعية للحوار الوطني مصرة على تفكيك كل الألغام التي توضع على جنبات طريق الحوار.