الجزائر | اعترفت وزارة الصحة الجزائرية، أمس، بانتشار وباء الكوليرا في أربع ولايات وسط البلاد، هي البليدة والبويرة والجزائر العاصمة وتيبازة. وسُجِّل حتى الآن نحو 60 حالة مؤكدة، من بين 88 حالة يشتبه في إصابتها، بعد أن ظهرت عليها أعراض هذا الداء المعدي الذي يسبّب القيء والإسهال وتعقيدات في القلب والرئة. وأُعلنَت لاحقاً وفاة شخص بالكوليرا في مستشفى بوفاريك في ولاية البليدة.وسارع مدير الوقاية في وزارة الصحة، جمال فورار، إلى طمأنة المواطنين إلى أن الإصابات بوباء الكوليرا التي سُجِّلَت، هي حالات «معزولة منحصرة في عائلات»، مشيراً إلى أن الوضع «متحكم فيه ولا يدعو إلى القلق ولا يستدعي إعلان حالة الطوارئ». وقال إن المطلوب فقط في هذه الحالات، احترام قواعد النظافة من خلال «الغسل الجيد لليدين، باعتبارهما الناقل الأساسي للعدوى، وغسل الأطعمة قبل تناولها، وتفادي زيارة المرضى المصابين في المستشفيات».
ولم تنجح هذه التصريحات في تهدئة المواطنين الذين سارع الكثير منهم إلى تأمين كميات كبيرة من المياه المعدنية التي نفدت بسرعة من الرفوف لتجنب الشرب من مياه الحنفيات. وساد اعتقاد لدى كثيرين بأن المسبّب لظهور وباء الكوليرا هو نوعية المياه التي تصل إلى المنازل، رغم النفي القاطع للأجهزة الحكومية بوجود تلوث في مياه الشرب التي تخضع ــ بحسبها ــ لتحاليل دقيقة قبل ضخها في قنوات توزيع المياه.
وما زاد من غضب الجزائريين، تصريحات مدير معهد «باستور» (المخبر الرئيسي في الجزائر)، الذي قلّل من شأن انتشار الكوليرا، مشيراً إلى أنه مرض ظهر في عدة دول، من بينها اليمن ومالي والتشاد. وأضاف أن السلطات الجزائرية كانت لها الشجاعة لإعلان المرض، فيما ترفض دول أخرى التصريح بذلك.
تتهم أحزاب معارضة الحكومة باعتماد سياسة تقشف


واستغرب كثيرون في تعليقاتهم على مواقع التواصل هذه التصريحات التي عدّوها مستفزة، لكونها تشبّه الجزائر بدول شديدة الفقر أو واقعة في حروب. وتحوّل النقاش إثر ذلك، إلى السياسة، لكون الأمر يتعلق، بحسبهم، بفشل سياسات الحكومة في تقديم خدمات صحية للجزائريين، وعجزها عن توفير الخدمات الضرورية والبنى التحتية لقنوات المياه وقنوات الصرف الصحي في البلديات التي يعاني أغلبها من مشاكل في هذا الشأن.
وتتهم أحزاب معارضة الحكومة باعتماد سياسة تقشف، سبّبت الإضرار في الخدمات الصحية التي يتلقاها المواطنون، حيث قُلِّصَت ميزانية المستشفيات وقطاع الصحة عموماً بنسب معتبرة، ما أدى إلى ندرة في المستلزمات والأدوية الضرورية، دفعت أطباء القطاع العام إلى تنفيذ إضرابات متكررة احتجاجاً على الظروف الصعبة التي يعملون فيها. وتعاني أغلب المستشفيات العامة في الجزائر من اكتظاظ كبير في عدد المرضى وتدني في نوعية الخدمات الصحية، ما يضطر الكثيرين إلى التوجه نحو الخارج من أجل العلاج، على غرار فرنسا بالنسبة إلى الميسورين وتونس أيضاً.
وانتشرت في الفترة الأخيرة أنواع عدة من الأمراض التي كانت قد انقرضت من الجزائر، على غرار السل والتيفوئيد. كذلك انتشر على نحو لافت في الأشهر الأخيرة داء الحصبة في ولايات عدة جنوب البلاد، جراء عدم خضوع الأطفال للتلقيح. وينظر إلى هذه الأمراض في الجزائر على أن سبب انتشارها يعود إلى الفقر وسوء التغذية، وكذلك إلى غياب نظافة المحيط وعدم الانتباه لتلقي اللقاحات الضرورية. كذلك طرح ظهور هذه الأمراض، من جانب آخر، إشكالية عدم التوازن في التنمية بين ولايات الشمال وولايات الجنوب التي تنعدم فيها المرافق الصحية ويضطر سكانها إلى قطع مسافات طويلة لعلاج الأمراض المزمنة.
وعلى الجانب الآخر، يحاول الخطاب الرسمي للحكومة وبعض أحزاب السلطة التقليل من هذه الظواهر، ويحيل دائماً على الإنجازات في مجال الصحة العامة والتنمية المحلية. وحالياً، يُعدّ حزب «جبهة التحرير الوطني» جردة كاملة لإنجازات الرئيس في كل الولايات، من أجل الرد على المعارضة التي تتهم الحكومات المتعاقبة بتبذير نحو 1000 مليار دولار من عائدات البترول في السنوات الأخيرة.