تستخدم الإمارات برامج تجسّس إسرائيلية ضد معارضين في الداخل أو الخارج، وأحياناً ضد مسؤولين يُفترض أنهم «أصدقاء»، من خلال استغلال «ذكاء» الهواتف المحمولة، لتحويلها إلى أجهزة تجسّس. رئيس الحكومة سعد الحريري، ووزير الحرس الوطني السعودي السابق متعب بن عبد الله، كانا، إلى جانب صحافيين ونشطاء، مِمَّن تجسست أبو ظبي عليهم، بحسب رسائل بريدية سرّبتها صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، استُخدمت في دعويين قضائيتين مُقدَّمتَين ضد مجموعة «NSO»، التي تتخذ من الأراضي المحتلة مقرّاً لها، وتم رفعهما الخميس في إسرائيل وقبرص، من قِبَل مواطن قطري وصحافيين ونشطاء مكسيكيين استهدفهم برنامج التجسّس هذا.حينَ خطفت السعودية الحريري وأجبرته على الاستقالة في تشرين الثاني 2017، لم يستطِع أحد في البداية تحديد السبب الرئيسي من وراء «ضرب الجنون» الذي أقدمت عليه المملكة في حينه. صدرت تحليلات كثيرة حول أسباب إقدام الرياض على «فعلتها» المأثورة، ومنها ربط «الأسر» بسلسلة الاعتقالات التي طالت أمراء ورجال أعمال ومسؤولين اتهمهم محمد بن سلمان بالتورّط في صفقات سرقة وفساد، ومنهم الحريري عبر «سعودي أوجيه». ومن الأخبار التي تمّ التداول بها آنذاك هي تجسّس المملكة على الحريري في بيروت. الأخير كان، على ما يبدو، تحت مجهر المراقبة، لكن الجهة التي كانت تتجسّس عليه هي دولة الإمارات، وفق «نيويورك تايمز»، التي أشارت إلى أن «الإماراتيين طلبوا مراقبة هاتف رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري». وهذه المعلومات أدرجتها الصحيفة في تقرير قالت فيه إن «حكام الإمارات يستخدمون برنامج تجسّس إسرائيلياً اخترقوا بواسطته هواتفَ معارضيهم وخصومهم في الداخل وفي الخارج، ومنها هواتف أمير دولة قطر، قائد الحرس الوطني السعودي (السابق) متعب بن عبد الله الذي كان يُعتبر في ذلك الوقت منافساً محتملاً لولي العهد محمد بن سلمان، وصحافييّن ومثقفين عرب». وذكرت الصحيفة الأميركية أن الرسائل الإلكترونية لم تكشف موعد التجسّس على رئيس حكومة لبنان، لكنها تحدثت «عن تقاعسه في الوقوف بوجه حزب الله أو التصدي له».
وفقاً للرسائل المسرّبة، عندما عرضت مجموعة «NSO» على الإماراتيين تحديثاً باهظاً لتكنولوجيا التجسّس، أرادوا التأكد من مدى قدرتها، فسألوا عبر البريد الإلكتروني: «هل يمكن للشركة تسجيل هواتف أمير قطر؟ ماذا عن هاتف الأمير السعودي القوي الذي قاد الحرس الوطني للمملكة؟ أو ماذا عن تسجيل هاتف رئيس تحرير صحيفة عربية في لندن؟». وجاء الرد بعد أربعة أيام، بإرفاق تسجيلَين يناسبان «الطلب»، هما عبارة عن مكالمات للصحافي السعودي عبد العزيز الخميس (رئيس تحرير جريدة «العرب» اللندنية سابقاً)، الذي أكد لـ«نيويورك تايمز» أنه أجرى المكالمات، وأنه لم يكن يعلم أنه كان تحت المراقبة. وبحسب الرسائل المسرّبة، طلب الإماراتيون أيضاً اعتراض مكالمات هاتفية في قطر منذ العام 2014، أي قبل الأزمة الخليجية بنحو 3 أعوام.
تدحض الرسائل المسربة، بحسب «نيويورك تايمز»، مزاعم الشركة المتكررة بأنها «غير مسؤولة عن أي مراقبة غير قانونية» تجريها الحكومات التي تشتري برامجها. ففي قضية التجسّس الإماراتية، تتهم الدعوى القضائية إحدى شركات «NSO» بمحاولة التجسّس على مسؤولين حكوميين أجانب، خصوصاً أنها نجحت في تسجيل مكالمات عبد العزيز الخميس. ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن بيع برامج التجسّس الإسرائيلية إلى الإمارات لا يتم بغير موافقة وزارة الدفاع الإسرائيلية، كون الاحتلال يعتبرها سلاحاً.
وتلقفت قطر تقرير «نيويورك تايمز»، لتصدر وزارة خارجيتها بياناً الليلة الماضية تعبّر فيه عن «القلق» من المعلومات المنشورة، لافتة إلى أن «الكشف يطرح أسئلة عدة حول جذور الأزمة الخليجية الحالية ومدة التخطيط لها».