في الواقع، لا يصعب كثيراً التفريق بين مواقف وتصريحات المسؤولين السياسيين الإسرائيليين ممن هم خارج دائرة إصدار القرارات وتنفيذها، كما حال رئيس الحكومة ووزير الأمن، وبين وزراء يطمحون إلى تولي هذه المناصب، ما يدفعهم إلى التطرف في المواقف، ومحاولة توهين خصومهم في السلطة، مع أو من دون علاقة فعلية مع التحديات الأمنية أمام إسرائيل. وبينت يمثّل النسخة الحالية من نموذج السياسيين الإسرائيليين الانتهازيين والساعين دوماً في المزايدات وتظهير أقصى التطرف لكسب ود الجمهور اليميني، بألا يدع كبيرة أو صغيرة تضرّ وتوهن خصومه السياسيين من دون أن يستغلها للإضرار بهم. يحاول وزير التربية أن يظهر نفسه أنه كان لينهي التهديدات الفلسطينية وغير الفلسطينية لو كان في سدة القرار، وتحديداً باستخدام الحروب والاقتدار العسكري الإسرائيلي، مع الإصرار على أن الثنائي نتنياهو-ليبرمان يجبنان عن استخدامها. يعيد بينت، في ذلك، مشهد رئيس الوزراء السابق أريئيل شارون عندما كان في المعارضة إلى أن تغير بعد توليه رئاسة الحكومة، بل بات صاحب مصطلح «في ضبط النفس قوّة»، في إشارة إلى «تمهّله» طويلاً للرد على العمليات الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
المشهد نفسه كان قد تكرر مع نتنياهو في مواجهة شارون
المشهد نفسه كان قد تكرر مع نتنياهو في مواجهة شارون، وكذلك في مواجهة إيهود أولمرت، ثم جاء ليبرمان ليزايد على وزير الأمن السابق موشيه يعلون، ويعلن أنه لو تولى وزارة الأمن لكان صفى «بلا تردد وخلال 48 ساعة» مسؤولي «حماس»، ومن بينهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، الأمر الذي ابتعد عنه لدى تولّيه المنصب، تماماً كما فعل من سبقه بعد تهديداتهم. مع ذلك، تهديدات بينت، وإن كانت للأذن الإسرائيلية، فإنها تعبّر عن ضائقة قرارات في مواجهة غزة، إذ لا يبدو أن هناك قدرة فعلية على مواجهة تبعات تحقيق المصالح الإسرائيلية الأمنية بالقوة العسكرية التي يطالب بها بينت، من خارج طاولة القرارات. لو كان ليبرمان قادراً على تنفيذ ما يطالب به بينت، وهو الذي لا يقل تطرفاً وعداء للفلسطينيين، لكان ترجم كل التطرف الممكن بلا إبطاء، مهما كانت الأثمان المقدر أن يدفعها الفلسطيني. لكن، بوصفه يقف على رأس سلم المسؤولية السياسية للمؤسسة العسكرية، بات يدرك كما تدرك المؤسسة نفسها، أن ما بين تشخيص المصلحة الأمنية وبين القدرة الفعلية على تحقيقها فروقاً قد تضيق أو تتسع، وتبعاً لها تضيق وتتسع خيارات إسرائيل. عندئذ، يضطر ليبرمان وغيره إلى التراجع أمام التهديدات، والبحث عن خيارات أخرى قد تكون غير متطرفة، بل ربما التعايش معها. والساحة اللبنانية طوال 12 عاماً خير دليل على ذلك.
على ذلك، لا علاقة بين تهديدات بينت وإمكان أن تكون المواجهة العسكرية الواسعة مقبلة ضد غزة، أكانت مقبلة فعلياً أم لا. فلا علاقة بين تهديداته وكون اتفاق التهدئة مقبلاً على فشل كامل أو جزئي، سواء أكان الفشل مقدراً من ناحية فعلية أم لا. كذلك، ومنعاً للتحليلات المغلوطة التوجه الأكبر في التهديدات شأن داخلي وسجال بيني ومزايدات بين خصوم سياسيين، مع أرجحية معتبرة جداً، لأن لا إشارات كذلك على خطوات «حربجية» واسعة، في حال تولي بينت وزارة الأمن خلفاً لليبرمان. والثابت إلى الآن أن الإستراتيجيا الإسرائيلية المفعلة تجاه غزة هي ما ورد على لسان وزير الأمن الحالي، رأس الهرم السياسي للجيش، الذي أكد أن تل أبيب تعمل على الوقيعة بين سكان غزة و«حماس»، وهي استراتيجية جديدة تمثل دليلاً آخر على ضيق خيارات إسرائيل وإمكاناتها الفعلية في مواجهة الخيار المقاوم.