في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، زار عدد من أعضاء وزارة الدفاع السويسرية مرتفعات الجولان السورية المحتلة لإجراء اختبار لطائرات من دون طيار تعتزم برن استيرادها من إسرائيل. أثارت الزيارة موجة من الانتقادات، لكونها تُعَدّ خرقاً لسياسة «الحياد» التي يزعم البلد الأوروبي انتهاجها، والتي تقضي بأن تنأى الحكومة بنفسها عن أي نزاع قائم وتلتزم مسافة واحدة من جميع الأطراف المتحاربة. وفيما قالت برن إن المسؤولين السويسريين الذين حضروا في مطار «بيك» كانوا «يجهلون أنه جزء من أراضٍ متنازع عليها»، فإنها لم تكن المرّة الأولى ولا الأخيرة التي تنخرط فيها الحكومة السويسرية في «صفقات» تتنافى مع الصورة التي رسمتها دولياً في مؤتمر فيينا عام 1815. ويتجلّى «النفاق» السويسري في صفقات التسليح المثيرة للجدل التي تواصل برن إبرامها مع دول معروفة لانتهاكها المتكرر لحقوق الإنسان، ولا سيما مع دولة الإمارات العربية المتحدة.في الأيام القليلة الماضية، تصدّرت سويسرا عناوين الصحف المحلية والعالمية عقب تقارير كشفت حصول «داعش» في سوريا على قنابل يدوية كانت سويسرا قد باعتها لأبو ظبي قبل 15 عاماً. ووفق صحيفة «سونتاغز بليك» السويسرية، فإن «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) عرضت صوراً لقنابل وأحزمة ناسفة وبنادق صُودرت إثر دهم «أوكار داعش» في محافظة إدلب. من ضمن ما عرضته «تحرير الشام»، قنابل يدوية من نوع «OHG92» و«HG85» كانت شركة «RUAG» السويسرية قد صنّعتها وصدّرتها إلى الإمارات في السابق. ومن ميزات تلك القنابل أنها تسبب عند انفجارها دماراً واسعاً في دائرة قطرها عشرات الأمتار. وفيما اعترف متحدث باسم شركة الأسلحة أن «الصور تظهر أن القنابل بالفعل هي من صنع رواغ»، فإنه يؤكد أن الشركة «تلتزم بصرامة لوائح التصدير السويسرية... وبالتالي لا يمكن أن تقع الأسلحة في أيدي جماعات إرهابية». ويستبعد المراقبون أن تكون سويسرا قد باعتها مباشرة للجماعات المسلحة في سوريا، في وقت ترجح فيه الصحيفة أن تكون هذه الذخائر جزءاً من شحنة وافقت عليها «أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية» (Seco) في عام 2003، وباعت بموجبها «رواغ» 225 ألف قنبلة يدوية لأبو ظبي، كان من المفترض أن تكون للجيش الإماراتي حصراً.
وهذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها سلاح سويسري في الميدان السوري، حيث أظهرت صور نشرتها صحيفتا «زونتاج تسايتونج» و«ماتان ديمانش» السويسريتان في أوائل عام 2012، امتلاك مسلحين تابعين لتنظيم «القاعدة» في مارع وتل رفعت (شمال حلب) قنابل سويسرية تبيّن في ما بعد أن مصدرها أبو ظبي. وكشفت تحقيقات أجرتها السلطات السويسرية حينها أن الإمارات أرسلت «بنحو غير قانوني» جزءاً من القنابل اليدوية التي اشترتها من برن إلى الأردن، وهُرِّبَت «بنحو غير قانوني» عبر الحدود إلى الأراضي السورية. وفي محاولة لكتم الأصوات المعارضة لصفقات التسليح، أعلنت الحكومة الفيدرالية في أعقاب فضيحة عام 2012 وقف تصدير الأسلحة إلى الإمارات، قبل أن تتراجع عن قرارها بعد بضعة أشهر فقط وتستأنف عمليات البيع في النصف الثاني من العام نفسه. وخفضت برن صادراتها من الأسلحة إلى الإمارات من 132 مليون يورو في 2012 إلى 10 ملايين يورو في العام التالي، لكنها زادت من صادراتها مرة أخرى إلى 14 مليون يورو في 2014.
صدّرت سويسرا أسلحة للإمارات بقيمة 10 ملايين فرنك منذ مطلع العام الجاري


وتسجّل صادرات السلاح السويسري إلى البلد المشارك في العدوان على اليمن تصاعداً دائماً، إذ باعت برن أسلحة خفيفة وذخيرة لأنظمة الدفاع الجوي للجيش الإماراتي، بقيمة وصلت إلى 10 ملايين فرنك سويسري خلال النصف الأول من العام الجاري. ووفق الأرقام الرسمية، صدّرت سويسرا أسلحة وذخائر بقيمة 20.52 مليون فرنك سويسري في الأشهر الستة الأولى من 2018، بزيادة من 166.6 مليون فرنك سويسري عن الفترة نفسها من العام المنصرم. وبلغ حجم صادرات برن في كل 2017 446.6 مليون فرنك سويسري، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 8 في المئة عن 2016.
ومن المتوقع أن يرتفع حجم الصادرات العسكرية مع توجه المجلس الاتحادي نحو «تخفيف» قواعد تصدير السلاح إلى «بلد منخرط في نزاع داخلي مسلح»، في خطوة تجعل سويسرا طرفاً مشاركاً «لا حيادياً» في النزاعات الدائرة بين الدول من جهة، وبين أطراف محلية في بؤر الصراع حول العالم من جهة أخرى. وجاء هذا التوجه في أعقاب دعوات صادرة عن الشركات السويسرية العاملة في مجال صناعة الأسلحة والمعدات الحربية لتخفيف قواعد الترخيص الصارمة بحجة أنها تمنعها من منافسة الشركات الأوروبية، لافتة إلى أن تراجع صادرات الأسلحة يهدّد وظائف عدد كبير من السويسريين.
ومنذ مطلع الشهر الجاري، يحتدم النقاش في الداخل السويسري حول انخراط برن في سباق التسليح العالمي، والتهديد الذي تمثّله هذه السياسة «الجديدة» لمنظومة «التقاليد الإنسانية» التي تتغنى بها البلاد. ويأتي ذلك بالتزامن مع تقارير صحفية كشفت انتشار السلاح السويسري أيضاً في ليبيا، التي شهدت الشهر الماضي تجدّداً لأعمال العنف والقتال. وفي التفاصيل، نشر مركز تحليل الأسلحة الأوسترالية الشهير «آريس»، معاملات توثّق بيع السلاح السويسري بطرق «غير شرعية» في السوق السوداء الليبية، وذلك بعد أن تمكّن المركز من اختراق صفحات «سرية» تديرها مجموعة من تجّار السلاح على موقع «فايسبوك». وأظهرت الوثائق قيام تاجر سلاح في طرابلس يدعى محمود، بطرح قنابل من صنع «رواغ» على مجموعة من مستخدمي «فايسبوك» الليبيين، الذين لديهم روابط مباشرة بالميليشيات المسلحة، وحصوله على عروض شراء عديدة، من ضمنها 100 فرنك سويسري مقابل القنبلة الواحدة. وفيما ليس واضحاً كيف وصلت هذه الذخيرة إلى ليبيا، ترجّح التقارير أن يكون المصدر نفسه الذي أوصلها إلى سوريا من الإمارات عبر الأردن.
ويبدو أن الإمارات لم تتخلَّ عن عادتها القديمة في نقل السلاح السويسري إلى «طرف ثالث»، الأمر الذي دفع برن إلى تعليق بيع السلاح لأبو ظبي في 2005 قبل أن تستأنف صفقاتها مجدداً في العام التالي. ففي مثل الشهر الجاري من 2005، أعلنت وزارة الاقتصاد السويسرية (استناداً إلى نتائج دراسة لجنة خبراء تابعين لوزارات الاقتصاد والدفاع والخارجية والعدل) أن 40 دبابة باعتها للإمارات في 2004 أُرسِلَت إلى المغرب، الذي يخوض صراعاً مع جبهة «البوليساريو» وبالتالي يعتبر منطقة «صراع» يحظر القانون السويسري تصدير الأسلحة إليها.
وبشكل عام، تبتعد برن أكثر فأكثر عن نهجها السلمي، إذ فضلاً عن «المرونة» التي تتبناها في صفقات التسليح، تراجعت الشهر الماضي عن التزامها معاهدة حظر الأسلحة النووية التي تبنتها و121 دولة أخرى في شهر تموز 2017، وتقضي بعدم تطوير الأسلحة النووية أو اختبارها أو إنتاجها أو حيازتها أو امتلاكها أو تخزينها أو استخدامها أو التهديد باستخدامها أو تقديم المساعدة إلى أيّ بلد ينخرط بأيٍّ من هذه الأنشطة المحظورة.



ألمانيا تتراجع عن حظر بيع الأسلحة للسعودية؟
كشفت وثيقة حكومية ألمانية خرق برلين لقرارها وقف مبيعات الأسلحة للسعودية وباقي الدول المشاركة في حرب اليمن. ونقلت «رويترز»، أمس، مضمون رسالة بعث بها وزير الاقتصاد بيتر ألتماير، إلى مشرّعين، يوضح أن الحكومة الألمانية وقّعت على إرسال شحنة من أنظمة المدفعية للمملكة السعودية، يمكنها أن تثبّت على المركبات و«أن ترصد نيران العدو، ما يسمح بضربات مضادة دقيقة». وتعد شحنة الأسلحة المذكورة الأولى التي تصدّر إلى الرياض منذ قرار برلين حظر بيع الأسلحة للدول المنخرطة في حرب اليمن، على رأسها السعودية والإمارات، في آذار/ مارس الماضي. ولم تتضح بعد خلفية صفقة الأسلحة المذكورة، وإذا ما كانت تراجعاً فعلياً عن القرار الذي اتفق عليه ائتلاف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بين «التحالف المسيحي» و«الحزب الاشتراكي الديمقراطي».
(رويترز)