خلافاً لما أراده «التحالف» من وراء التوجيه باعتقال وكيل محافظة المهرة لشؤون الصحراء (سابقاً)، علي سالم الحريزي، جاءت ردود الفعل على الأمر السعودي - الإماراتي، لتؤكد أن ما تشهده المحافظة الواقعة أقصى شرقيّ اليمن اليوم ليس مجرّد «فورة» ستنتهي بمجرّد رفع عصا الترهيب بوجه أصحابها، وأن الاحتجاجات الشعبية على «الاحتلال» قابلة للتمدد إلى أبعد مما يتراءى للرياض وأبو ظبي. قدّرت الأخيرتان، بعد مرور نحو شهرين على إيعازهما للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، بإقالة الحريزي من منصبه على خلفية موقفه المسانِد للاحتجاجات، أن التلويح بالزجّ بالرجل في المعتقل سيكون كافياً لِلَجمه، ومنعه من مواصلة قيادة جموع المعتصمين المطالِبين برحيل القوات السعودية والإماراتية عن أراضي المهرة. لكن الجواب أتى في صورة حزم وتمرّد ربما لم تطرق أذهان السعوديين والإماراتيين لتعجّلهم في كل ما يتصل بالأوضاع في اليمن.على رأس موكب قبلي مسلح مؤلف من أكثر من 100 سيارة، توجّه الحريزي، عقب ساعات من صدور أمر اعتقاله، إلى مدينة الغيضة، مركز محافظة المهرة (قادماً من مدينة شحن)، حيث انضمّ إلى الاعتصام المتواصل هناك، توازياً مع اعتصامات رديفة في مناطق أخرى على رأسها المسيلة التي تتواجد فيها المعسكرات السعودية والإماراتية. ووفقاً لمصادر محلية، فإن الحريزي حضر في الغيضة اجتماعاً للجنة المُنظّمة للاعتصام السلمي «لتدارس الخطوات المقبلة ضد التواجد السعودي في المحافظة». وجاء توجّه الشيخ القبلي البارز إلى الغيضة بعدما سرت أنباء عن مغادرته المهرة إلى سلطنة عمان على خلفية مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه. وهو ما نفاه مصدر مقرب منه، ليعود الحريزي بنفسه ويؤكد أن «مذكرة الاعتقال لا تعنيه»، وأنه «سينشط في كل مديريات المحافظة»، داعياً أبناء المهرة إلى «الاستمرار في اعتصاماتهم وعدم الاستسلام»، وواضعاً السعودية بين خيارين: «إما التوقف عن هذه الإجراءات والتواجد غير المقبول، وإما الدخول في إبادة جماعية لأننا لن نسكت أو نرضخ للتهديدات».
تعاني شبوة أزمة خانقة في الوقود في ظل سيطرة الإمارات على مواردها


وكان التوجيه باعتقال الحريزي أثار ردود فعل ساخطة في أوساط «المهريين»، الذين سرعان ما توافدوا إلى منزل الرجل لإعلان التضامن معه، في وجه «المنبطحين للاحتلال السعودي» على حدّ وصف مصدر مقرب من الحريزي، اعتبر مذكرة الاعتقال «تنصلاً وتهرباً من تنفيذ الاتفاق» الموقّع مع المعتصمين. وفيما وقّع شيوخ المحافظة وأعيانها رسالة إلى «التحالف» حذّروه فيها من المساس بالحريزي، أصدرت اللجنة المُنظّمة للاعتصام بياناً حمل إشارات دالة؛ كونه اعتبر التوجيه باعتقال الحريزي، أو أي شخصية من شخصيات المهرة، «إفراغاً للاعتصام من سلميّته»، في تلويح بإمكانية اللجوء إلى خيارات مغايرة لـ«السلمية التي لا يزال أبناء المحافظة مُتمسّكين بها حتى اللحظة»، وفق ما جاء في البيان. ووصف وكيل محافظة المهرة الأسبق، سعيد سعدان، من جهته، مذكرة الاعتقال بـ«التصرف الأعوج»، ورأى فيها «تعبيراً عن الإفلاس والتخبط والضعف، وعدم تحمل صدمة كشف الحقائق للرأي العام عن ممارسات السعودية وأطماعها وانتهاكاتها».
حالة الالتفاف التي تولّدت حول شخص الحريزي في محافظة المهرة، يبدو أنها ستنتقل إلى محافظة شبوة مع بروز نجم اللواء أحمد مساعد حسين، وزير أمن الدولة في دولة الجنوب السابقة (جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية)، وأحد شيوخ المحافظة، والذي تُقدّر مصادر جنوبية أن تحركه الراهن سيشكل «ضربة قوية» لـ«التحالف» لما يمثّله الرجل من ثقل ورمزية على مستوى محافظته. رمزية تجلّت بعض صورها مطلع الأسبوع الجاري، عندما انعقد في مقرّ المركز الثقافي في مدينة عتق (مركز محافظة شبوة) لقاء قبلي حاشد بدعوة من حسين، تخلّلته تصريحات حادة ضدّ السعودية والإمارات، اللتين اتهمهما الوزير السابق (في حكومات ما بعد الوحدة) بـ«التسبب بالكثير من الأضرار لمواطني محافظات الجنوب»، داعياً إياهما إلى «إصلاح ما أفسدته سياستهما»، وكذلك ضد «الشرعية» التي «كانت قادرة على إحداث إصلاحات لولا الفساد المالي والإداري الذي تعاني منه».
وأتت دعوة حسين إلى ذلك الاجتماع في وقت يسود الغضب الشارع «الشبواني» على خلفية سيطرة الإمارات على مصادر الثروة في المحافظة، التي تعاني أزمة خانقة في المشتقات النفطية، تمثّلت آخر فصولها قبل أيام في اختفاء مادتي الديزل والبترول من الأسواق، وارتفاع أسعارهما في السوق السوداء. ويستغرب ناشطون وصحافيون من المحافظة، في هذا الإطار، أن تعاني شبوة «المُنتِجة للنفط بكميات تجارية» من أزمة في الوقود، بينما تتولى قوات «النخبة الشبوانية» الموالية لأبو ظبي تأمين عمليات تصدير النفط إلى الإمارات عبر منشأة بلحاف في مديرية رضوم، وفق ما يقول هؤلاء، عادّين الوعود بتوفير المشتقات النفطية محاولة لـ«تخدير الجمهور، وتهيئته لنبأ تصدير الشحنة الثانية من النفط اليمني (بعد الشحنة الأولى في شباط/ فبراير الماضي) إلى أبو ظبي».