للمرة الأولى في بيان رسمي مشترك صادر عن أعضاء «المجموعة المصغّرة»، يرِدُ بوضوح دعم تلك الدول تشكيل «لجنة دستورية» معنية بالعمل على صوغ «دستور سوري جديد». هذا البيان جاء في توقيت حساس، بالتزامن مع «تأجيل» معركة إدلب والركون إلى الخطة التي خرجت عن «اتفاق سوتشي»، ووسط تصريحات جديدة - قديمة - من واشنطن تربط الوجود العسكري الأميركي بعدد من النقاط، وعلى رأسها إطلاق مسار حل سياسي فاعل وجدّي. وحمل البيان تفاصيل لافتة، يمكنها أن تشكّل محور خلاف مع الرعاة الأُول لملف «اللجنة الدستورية»، ولا سيما روسيا. إذ توافق وزراء دول كل من مصر وفرنسا وألمانيا والأردن والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، عقب اجتماعهم أول من أمس، على دعم «تشكيل لجنة دستورية بشكل عاجل»، وذلك لدعم جهود الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي وفق القرار الأممي «2254»، بحسب نص البيان المشترك، قبل تأكيدهم «عدم وجود حل عسكري (للنزاع السوري)... وانتفاء وجود بديل للحل السياسي». وطالب البيان كلاً من الأمم المتحدة ومكتب المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، بالعمل على تشكيل اللجنة «في أسرع وقت ممكن»، على أن تكون مسؤولة بعد تشكيلها عن «وضع مسودة لدستور جديد وتحضير الأرضية لانتخابات نزيهة وحرّة بإشراف الأمم المتحدة، تجرى في ظروف آمنة ويشارك فيها كل من يحق له الانتخاب، بما في ذلك من هم في الشتات». كذلك حثّوا دي ميستورا على إبلاغ مجلس الأمن حول مسار التشكيل بحدود آخر شهر تشرين الأول المقبل. وشدد البيان على «تفويض المبعوث الأممي الواضح من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، للمضي في تشكيل اللجنة، والعمل على ضمان استعداد الأطراف السورية للانخراط في إجراءات اللجنة بمجرد تشكيلها».ورغم أن البيان يمكن تفسيره في نظرة أولى، دعماً لمخرجات «مؤتمر سوتشي» التي وجدت طريقها للتبني من قبل المبعوث الأممي، إلا أن توقيت البيان وتفاصيله تحمل الكثير من علامات الاستفهام. فالدفع بمقترح «اللجنة الدستورية» والتعويل على إنجاحه في أسرع وقت، بما يتيح الوصول إلى دستور جديد فانتخابات مرعيّة أممياً، يحمل في طياته رهاناً على استباق جهود دمشق وحلفائها لحلّ ملفي اللاجئين والجزء الأكبر من المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، قبل الانخراط بأي خطوات على مسار الحل السياسي. ومع وجود القوات الأميركية في مناطق شرق الفرات وتحييد إدلب عن الهجوم العسكري (وإن مؤقتاً) بدعم غربي للجهد التركي، إلى جانب التقدم البطيء في ملف عودة اللاجئين، يتعاظم رهان دول «المجموعة المصغرة» على إحداث اختراق سياسي من شأنه إضعاف دمشق. ولا يبدو هذا الطرح بعيداً عما أدلى به المسؤول الأميركي عن الملفّ السوري جايمس جيفري، بالقول إنه لا يوجد ما يمنع تكرار «إزاحة» رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي «من خلال الدستور»، في سوريا، قبل أن يعود ليؤكد أمس أن «هناك طُرقاً عدّة للحضور على الأرض (في سوريا). ونحن على الأرض دبلوماسيّاً من خلال فرق من وزارة الخارجية... كذلك درّبنا قوات محلية في عدة مناطق، وحلفاؤنا لديهم قوات محلية».
ويُنتظر ما قد يصدر من دمشق أو موسكو تعليقاً على هذا الطرح، لجهة الجدول الزمني السريع الذي يتبناه، والتفويض الكامل للمبعوث الأممي في ما يخص تشكيل اللجنة وآلية عملها، خاصة أن الطرفين السوري والروسي يؤكدان أن وضع إدلب الحالي مؤقت، واستمراره رهنُ التزام تركيا والفصائل المسلحة الخطط المعلنة. إذ أكد أمس نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن المنطقة «المنزوعة السلاح» في إدلب «إجراء مؤقت... مثلما كانت باقي مناطق خفض التوتر التي أقيمت في إطار اجتماعات أستانا، إجراءات مؤقتة، ولا بد من تحرير كل الأراضي السورية من الإرهاب»، مراهناً على نجاح الخطط الموضوعة ضمن مساري «أستانا» و«سوتشي» بخصوص إدلب. وفي موازاة ذلك، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العمل مستمر في «نزع سلاح التنظيمات المتطرفة» هناك، وأن الجهد الأكبر في هذا السياق يقع على عاتق جهاز الاستخبارات التركي الذي يلعب «دوراً رئيسياً» في إنفاذ خطة المنطقة «المنزوعة السلاح». ولفت أردوغان إلى أن جهود إعادة الإعمار في سوريا، نوقِشَت مع الجانب الروسي، وسيُبحَث فيها أيضاً مع الجانب الألماني.
وبالتوازي، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنها اتفقت مع الرئيس التركي على السعي لعقد اجتماع رباعي لبحث الوضع في إدلب، بمشاركة فرنسية وروسية. وجاء إحياء طرح «القمة الرباعية» في وقت انتقد فيه الجانب التركي، مسار تنفيذ «اتفاق منبج» مع الجانب الأميركي. إذ أكد أردوغان في حديثه لصحافيين على متن الطائرة التي أقلّته من الولايات المتحدة إلى ألمانيا، أن «أميركا لم تلتزم قطعاً خريطة الطريق والجدول الزمني المحدد، في منبج»، مضيفاً أن «وحدات حماية الشعب» الكردية لم تغادر تلك المنطقة «كذلك فإن الأصحاب الحقيقيين للأرض لم يتمكنوا من العودة بعد».