يبدو المرسوم التشريعي رقم 16 للعام 2018 مرشّحاً ليكون واحداً من أشهر المراسيم الصادرة في سوريا، إن لم يُصبح أشهرها على الإطلاق. ولا ترتبط الشهرة المذكورة بفحوى المرسوم فحسب، بل تنبع في شكل خاص من اللغط الهائل الذي أثاره (ولا يزال) بين مختلف شرائح المجتمع السوري (وبتفاوت) على رغم أنّه ذُكر للمرة الأولى قبل عشرة أيام فحسب، ومن دون أن يكون معلوماً وقتها أنّه مرسوم تشريعي نافذ.
البداية
جاءت أوّل إشارة إلى مضمون المرسوم على لسان عضو مجلس الشعب نبيل صالح بتاريخ 23 أيلول (بعد توقيع المرسوم بثلاثة أيام). وجرياً على عادته، نشر صالح عبر صفحته الرسميّة على موقع «فايسبوك» فحوى مداخلته التي قدّمها أمام المجلس (بحضور رئيس الوزراء وعدد من الوزراء). تناولت مداخلة صالح مضمون المرسوم بوصفه «مشروع قانون جديد لوزارة الأوقاف»، وأعرب عن تفاجؤه بموافقة الحكومة على المشروع الذي «يدعو في ظاهره للتطوير والتحديث ومكافحة الإرهاب، وفي باطنه يرسخ وزارة الأوقاف كمؤسسة مستقلة عن الحكومة، كما يضاعف سلطان وزيرها بحيث يغدو أكبر من وزارته، وهذا لا يستقيم في قوانين الإدارة الحديثة». كما أوردت المداخلة عدداً من الملاحظات والانتقادات لـ«مشروع القانون»، ونصحت بـ«عدم الموافقة عليه». بعدها بخمسة أيام عاد صالح إلى إثارة الموضوع، عبر صفحته أيضاً، وأوضح أنّ المرسوم قد ورد إلى مجلس الشعب بتاريخ 25 أيلول ولم يوزّع على الأعضاء، وفصّل في إبداء الملاحظات حول عدد من المواد. كان السوريون قد أخذوا في انتقاد مضمون المرسوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ إشارة صالح الأولى إليه بوصفه «مشروع قانون»، وتفاعلت القضيّة سريعاً، قبل أن تعلو أصوات مضادة أخذت على عاتقها الإشادة بالمضمون، لا سيّما بعد أن اتّضح أنّه بات مرسوماً ممهوراً بتوقيع رئيس الجمهورية. سريعاً اختلط الحابل بالنّابل، وانتقل حديث «السوشال ميديا» إلى الشارع مصحوباً بالإشارة إلى مواد موجودة في المرسوم وأخرى غير موجود، علاوة على تفسيرات مغلوطة لبعض المواد وتفسيرات أخرى بالغت في تضخيم بعض المضامين إلى حد الحديث عن «هيئة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر»، و«إضفاء صبغة وهابية على سوريا». بتاريخ 30 أيلول أجرت القناة الإخباريّة السوريّة مقابلة مقتضبة مع وزير الأوقاف عبد الستار السيّد، لم تؤدّ الغرض المنشود منها، لا سيّما أن الوزير اكتفى بالإشادة بـ«مضمون المرسوم ووطنيّته» والتشكيك بدوافع المنتقدين والتشديد على أنّ «أعداء سوريا لا يريدون لهذا الصك التشريعي المرور».

في دستوريّة المرسوم
تنص 113 من الدستور السوري الحالي على أن «يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، أو أثناء انعقادها إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك، أو خلال الفترة التي يكون فيها المجلس منحلاً». كان مجلس الشعب قد اختتم جلسات «الدورة العادية السابعة للدور التشريعي الثاني» في الثالث من شهر تموز الماضي، وكان من المفترض أن تُفتتح «الدورة العاديّة الثامنة» بتاريخ 16 أيلول، الذي صادف موعد إجراء انتخابات «مجالس الإدارة المحليّة»، ليتم إرجاء افتتاح «الدورة» إلى يوم الأحد 23 أيلول. ووفقاً للدستور، فإنّ المرسوم الذي نُشر بالفعل في «الجريدة الرسميّة» يُعدّ اليوم نافذاً، مع إمكان إلغائه أو تعديله إذا ما توافق ثلثا أعضاء مجلس الشعب على ذلك (وهو إجراء لم يُسجل حدوثه في السنوات العشر الأخيرة على الأقل) وتنص مواد الفصل الرابع من «النظام الداخلي لمجلس الشعب» على عرض المراسيم الجمهوريّة على «المجلس» خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة له، ليحيلها المجلس إلى «اللجان المختصّة لإبداء الرأي فيها».
في الوقت الراهن تعكف «لجنة الشؤون الدستورية والتشريعيّة» على دراسة المرسوم

لا يجوز التعليق على المرسوم قبل ورود تقرير اللجنة المعنيّة، وعقب إنجاز التقرير وتلاوته أمام المجلس يمكن للأخير «إلغاء القانون أو تعديله بقانون، وذلك بغالبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المسجلين في بدء الجلسة على ألا تقل عن الغالبية المطلقة لعدد أعضائه، ومن دون أن يكون لهذا التعديل أو الإلغاء أثر رجعي». أما إذا لم يُلغِ المجلس المرسوم أو يعدله فإنّه «يُعدّ مُقرّاً حكماً» من دون الحاجة لإجراء التصويت عليه، و«يبلغ هذا الإقرار لرئيس الجمهورية». في الوقت الراهن، تعكف «لجنة الشؤون الدستورية والتشريعيّة» على دراسة المرسوم، تمهيداً لإعداد تقريرها في شأنه. تواصلت «الأخبار» هاتفيّاً مع رئيس اللجنة، المحامي أحمد الكزبري للوقوف على آخر المستجدّات، لكنّه اعتذر عن عدم الإدلاء بأي تفصيل في هذا الشأن التزاماً بالنظام الداخلي للمجلس.

في فحوى المرسوم
يتألف المرسوم 16 من مئة وخمسة عشر مادة توزّعت على سبع وثلاثين صفحة، وهو يتناول في شكل موسّع بنية «وزارة الأوقاف» ومهامها المختلفة، ومهام الوزير، وصلاحياته، علاوة على تفاصيل إدارية ووقفيّة وشرعيّة كثيرة (اطلع على النص الكامل). تُلغي المادة 114 من المرسوم عدداً من المراسيم والقوانين السابقة، وعلى رأسها المرسوم رقم 2014 للعام 1961 وتعديلاته (اطلع على النص الكامل). وتوضح المقارنة بين المرسومين حجم التوسع الهائل الذي طرأ على مهام وزارة الأوقاف، وصلاحيات الوزير في شكل خاص. وعلاوة على المادة 4 من الفصل الثاني من المرسوم الجديد (تحدّد اختصاصات الوزير) فقد ذُكرت لفظة «وزير» 52 مرّة في نص المرسوم، جاءت خمسون منها مقترنة بصلاحيات ومهام منوطة بالوزير، وتُضاف إليها مهام «مجلس إدارة صندوق الزكاة»، التي أنيطت بالوزير أيضاً وفقاً للفقرة ب من المادة 113. وكان «صندوق الزكاة» قد استُحدث بموجب المرسوم رقم 51 للعام 2013، قبل أن تُعدّل بعض مواده وتلغى مواد أخرى بموجب المرسوم الجديد ومن بينها، إلغاء «مجلس الإدارة» ليُلغى معه دور «رئاسة مجلس الوزراء» في تسمية أعضائه. وحفل المرسوم بإشارات واضحة إلى وجوب مكافحة التطرّف والتعصّب والطائفيّة، كما أناط بالوزارة مهام مراقبة المنابر ورجال الدين والتدريس الشرعي ومعاهد تحفيظ القرآن، وسائر التفاصيل التي تدور في فلك «الشريعة» بما في ذلك «الفتوى». ومن بين التفاصيل اللافتة يبرز منح وزير الأوقاف صلاحيات تصل حد إيلائه دوراً أساسياً في تسمية المفتي العام للجمهورية، التي تتم «بموجب مرسوم بناء على اقتراح الوزير» وفقاً للمادة 37 الفصل التاسع. وكان التفصيل المذكور مدخلاً عمد بعض المدافعين عن المرسوم إلى استغلاله لوصف كل الانتقادات التي طاولته بأنّها «مبنية على مصالح»، في غمز من قناة المفتي العام.