هم ثلّة من الدبلوماسيين والعسكريين الذين عملوا مع الأميركيين والبريطانيين في العقدين الماضيين في منطقتنا، تحديداً منذ حرب «عاصفة الصحراء» وما تلاها. مذّاك، بات للولايات المتحدة «جماعتها» داخل السعودية والبلدان الخليجية. مع الوقت، سرعان ما ترقّى هؤلاء في مناصبهم داخل الإدارة السعودية، وبلغ جيل شاب منهم ذروة المناصب مع مبالغة فريق محمد بن سلمان في استرضاء واشنطن طمعاً بتعبيد طريقه نحو العرش.
(الأخبار)

عادل الجبير، وزير خارجية لدى واشنطن، واحد من هؤلاء. زميل آخر له، يدعى ثامر السبهان. لم يكن ليذيع صيت الأخير لولا أنه بات منذ مدة ضمن الفريق الضيّق المعتمد عليه لدى ولي العهد. لا شيء في مواصفات الرجل أو سيرته الذاتية، على عكس زميله الجبير، يجعل من «الأمير» متحمساً إلى هذا الحد لإطلاق يده في أخطر الملفات التي سيتولى إدارتها لاحقاً. اللهم سوى العمل الأمني للحائز وسام «الامتياز والجدارة» من البنتاغون، مع أعلى قادة القوات الأميركية والبريطانية منذ تقاطرهم على منطقة الخليج كضابط أمن وحماية مرافق: وزير الدفاع الأميركي ديك تشيني، ووزير الدفاع البريطاني توم كينغ، وقائد القيادة المركزية الأميركية أثناء حرب الخليج نورمان شوارتزكوف، ورئيس أركان القوات المشتركة كولن باول، والقائد العام للقيادة المركزية جوزيف هور، وخلفه بينفورد ببي، وقائد القوات الجوية تشارلز هورنر، إضافة إلى توليه حماية بعض مواقع القوات البريطانية والأميركية إبان حرب الخليج. هكذا إذاً تصبح «تجربة» الرجل مشوّقة ودسمة، وترشحه لأن يكون محط ثقة لمهمات «سرية»، خصوصاً تلك التي تتطلب تنسيقاً مباشراً مع الأميركيين.
اخترع لثامر السبهان منصب وزير دولة لشؤون الخليج في حكومة «خادم الحرمين»، رغم أن العنوان لا يمت إلى الدور بصلة. قبلها، قرابة ست سنوات قضاها ابن الـ 51 عاماً في لبنان، مساعداً للملحق العسكري في سفارة بيروت، رقّي من ثم إلى منصب الملحق العسكري، حيث عمل على مراقبة حزب الله كما تشير المعلومات. ما سيتسلّمه لاحقاً السبهان من دور يكشف لماذا جرى «تدريبه» منذ وقت طويل في بيروت، ولم اختارت الرياض وواشنطن لهذا الدور رجلاً بهذه المواصفات الأمنية، لمهمات يفترض أنها «دبلوماسية». ببساطة، اكتشف السعوديون حاجتهم إلى «قاسم سليماني سعودي»، شخص ينافس قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، خارج حدود المملكة. يتنقّل في الساحات «الساخنة» لدعم الحلفاء وضرب «العدو» خلف خطوطه. حدّدت للسبهان «دول الشمال» ساحات عمل، هي نفسها التي يفترض أنها ساحات نشاط سليماني، والمقصود بها الدول الواقعة شمالي المملكة: العراق، سوريا، ولبنان. يقابل السبهان، شخصية في «الجنوب»، أي اليمن، هو سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر. هو نفسه عقل ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يؤمن بمواجهة إيران «بسلاحها»، أنتج هذا النشاط في المنطقة، منقلباً به على النمط التقليدي الهادئ لدوائر السعودية.
ظهر السبهان كأول سفير للسعودية في العراق مطلع 2015. أتى إلى «عاصمة الرشيد» وبيده حقائب الأموال التي غزت جيوب عدد كبير من الساسة وشيوخ العشائر والإعلاميين والنواب في البرلمان، وكثر منهم لم يكن يحسب على «جماعة» السعودية، بل في الجبهات المعادية لها. كان الضابط السعودي سخياً بعض الشيء، نشيطاً وصاحب إصرار على إتمام خططه، يقتحم الخطوط الحمراء باجتراء كبير. ظن السفير الجديد أن «المكوّن السني» في جيب المملكة ببساطة، فصب جهده على «شراء» الولاءات لدى «المكوّن الشيعي» وفق التصنيفات السائدة في العراق، وهو ما أخطأ كثيراً في تقديره. يسخر قادة «سُنّة» في بغداد حين يذكر أمامهم اسم السبهان أو السعودية، بعضهم ينهال اليوم بالشتائم على السفير السابق فور الإشارة إليه، رغم لقاءاته معه! لهؤلاء مشكلة أكبر مع نظام الرياض عموماً، وهي مشكلة عراقية ــ سعودية لم يطوّعها استثمار الرياض في أزمات بلاد الرافدين المذهبية. لا يتقبّل هؤلاء «الوصاية» السعودية، ولا يلتزمون توصيات مندوب ولي العهد، حتى في علاقاتهم الإقليمية مع باقي الدول. الأزمة السياسية الحالية أظهرت جانباً كبيراً من فشل السبهان، بعد أن تبيّن أن من يفترض بهم «حلفاء» للمملكة ليسوا في وارد تخريب بلادهم كرمى لعيون المندوب السعودي ومن خلفه محمد بن سلمان. كان صعباً على السبهان، كحال زميله المندوب الأميركي في العراق بريت ماكغورك (هو نفسه مندوب واشنطن السابق في التحالف ضد «داعش»، الذي ظهر برفقة السبهان في الرقة السورية العام الماضي)، وهو يتابع من غرفة عملياته في الأردن مشاهدة أكثرية «سنية» تتحالف مع تيارات «الحشد الشعبي»، ومن ثم تزور تركيا وتلتقي رئيسها رجب طيب أردوغان، قبل أيام، بعد أن أوصلت مرشحها إلى رئاسة البرلمان. حصل كل ذلك، على الرغم من أن السبهان نشط كثيراً من الأردن في مؤازرة ماكغورك عبر دفع الأموال بهدف توحيد «النواب السُّنة» لمصلحة الكتلة الأكبر في البرلمان التي ستوصل حيدر العبادي إلى ولاية ثانية، والتأكد من ثبات «النواب الشيعة» الأصدقاء مع المملكة.
تبخرت جهود السبهان أثناء توليه منصب سفير السعودية لدى بغداد، الذي لم يدم لأكثر من تسعة أشهر. أشهر مليئة بالجدل والفضائح، بلغت شكاية شخصيات محسوبة على الطيف المقرب من المملكة من طريقة عمل السبهان، بينهم السياسي إياد علاوي، فضلاً عن باقي القوى العراقية. الفضائح لا تتوقف عند تصريحات الرجل وطائفيته ومحاولته بث الخلافات في صفوف العراقيين، وتصل إلى مزاعم محاولة اغتياله.
يشتكي سياسيون لبنانيون ودبلوماسيون عراقيون من «خبث» الرجل، على حد تعبيرهم. يرمونه بالوقاحة وكل الطباع الخشنة، ما خلا «الدبلوماسية». يتكلّم بلغة الآمر والناهي والحازم، ويقلّ من «النقاش»، مع افتقار إلى اللباقة واللياقات. يذكّر بعض هؤلاء بخطاب لقاسم سليماني، من يفترض أنه «المنافس» للرجل. ففي وقت كان فيه الجنرال الإيراني يقول: «أقبّل يد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله... وأفتخر بأني جندي لدى (القائد في الحشد الشعبي العراقي) أبو مهدي المهندس»، كان السبهان يهندس عملية الاختطاف المذلة لرئيس الحكومة اللبنانية، حليف المملكة، سعد الحريري! مفارقة تكفي لتذكير الأمير الشاب محمد بن سلمان بأن أقل ما يقال بحق استراتيجيته في المنطقة وأدواتها وآلياتها، أنها تحتاج إلى مراجعة شاملة. كل ذلك، وابن سلمان مستمر في بسط يد السبهان في المنطقة؛ يواصل متابعة الملف العراقي من الأردن، رغم الخسائر، يرسل وفده قبل أيام إلى شمالي الفرات في سوريا لاستنساخ تجربة شراء شيوخ العشائر في العراق، كما لا يزال يتابع الملف اللبناني رغم التوبيخ الأميركي له على طريقة إدارته المتهورة والقاصرة للانقلاب على الحريري العام الماضي.