لا تؤثر بيانات البرلمان الأوروبي وتقارير المنظمات الحقوقية وجملة الإدانات العالمية والدعوات الأممية، على سلوك الثنائي السعودي- الإماراتي في اليمن، ولا تقف حاجزاً أمام استمرار عمليات قصف وتجويع الشعب اليمني منذ آذار عام 2015. شعب البلد العربي الأشد فقراً، والشعوب المتضامنة معه، لم يعد يتفاءل بهذا البيان (الدوري)، الذي يدين العدوان على اليمن، أو ذاك الداعي إلى وقف الاقتتال والجلوس على «طاولة الحوار». وبعد أكثر من 3 سنوات ونصف السنة، تحولت التصريحات الغربية إلى مجرد تمتمات غير واضحة، يكاد صداها لا يخترق هدير الطيران الحربي وقرقعة ملايين البطون الفارغة.في بيان يضاف إلى عشرات البيانات الدولية المكررة حول اليمن، دان البرلمان الأوروبي العدوان مجدداً، داعياً «الأطراف المتورطة» في النزاع إلى «الحوار»، علماً أن جميع دعواته السابقة، لم تلق آذاناً صاغية. ومدركاً تورطه بشكل مباشر في «الأزمة الإنسانية الأسوأ» في العالم، طالب البرلمان دول الاتحاد الأوروبي، بوقف صفقات التسليح مع «جميع أطراف الصراع»، وذلك من أجل «تخفيف» حدة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، في وقت لم تتوانَ دول القارة العجوز عن بيع أسلحتها ومعداتها العسكرية إلى دول العدوان، المسؤولة، وفق تقارير أممية وأوروبية، عن وقوع العدد الأكبر من الضحايا المدنيين.
القرار الأوروبي، جاء بعد سلسلة من المشاورات التي عقدها البرلمان الأوروبي على مدار أربعة أيام، بين 1-4 الشهر الجاري في ستراسبورغ شرق فرنسا، قُدم خلالها عدد من «المقترحات»، تفاوتت في موضوعيتها و«ميولها» السياسي، لا سيما تلك المطروحة من قبل جهات تربطها علاقات مع «جماعات الضغط» الخليجية والإسرائيلية.

نص القرار
ندد البرلمان الأوروبي بالحصار الذي يفرضه «التحالف بقيادة السعودية على جميع الواردات إلى الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، منذ تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017»، مشيراً إلى أنه وفق «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية» (OCHA)، لم يعد يصل إلى البلد الذي يواجه «المجاعة الأضخم منذ الحرب العالمية الثانية»، سوى «21% فقط من حاجاته من الوقود، و68% من حاجاته الغذائية». وذكر نص البيان أنه «في بعض الحالات، منع الحوثيون تسليم الإمدادات الطبية والمساعدات إلى المدن التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً»، قبل أن يهاجم بشكل مباشر السعودية والإمارات. ومستشهداً بمنظمة «أنقذوا الأطفال»، قال البيان إن العملية على مدينة الحديدة تسببت في «وقوع مئات الضحايا المدنيين»، مضيفاً أن «المدينة فيها أهم ميناء في اليمن، وهي نقطة العبور لما يصل إلى 70% من المساعدات الغذائية والإنسانية المهمة في البلاد».
سلط القانون الأوروبي الضوء على توسّع نفوذ «القاعدة» و«داعش» في اليمن


إلى جانب الحصار، وفي حين انتقد «أنصار الله»، وعمليات الاحتجاز «التعسفي»، وغيرها من الممارسات، ركز القرار بشكل كبير على عمليات القصف التي قام بها تحالف العدوان، مخصصاً عدداً من الفقرات الأساسية للتنديد بالانتهاكات الكبيرة، التي ترتكبها الرياض وأبو ظبي، اللتان اتهمهما بقصف «الأحياء السكنية المكتظة». وفي هذا السياق، استحضر البيان الغارة الجوية التي استهدفت حافلة مدرسية محملة بالأطفال في محافظة صعدة، في الـ9 من آب/ أغسطس الماضي، ما أسفر عن «مقتل عشرات المدنيين، بينهم 40 طفلاً على الأقل، معظمهم دون سن العاشرة»، كذلك الغارة التي استهدفت مخيماً للنازحين في الحديدة، وذهب ضحيتها «27 مدنياً، معظمهم من الأطفال» في الـ24 من آب/ أغسطس الماضي.
دولياً، ذكّر البرلمان باستخدام روسيا حق النقض، في شباط الماضي، ضد قرار حول «دور إيران في اليمن»، ولكنه انتقد في إحدى الفقرات، أكبر الضربات الجوية التي تقوم بها الولايات المتحدة، معتبراً أن بعضها انتهك القوانين الدولية، لا سيما بـ«عمليات قتل».

«أين إيران وحزب الله؟»
سلط القانون الأوروبي الضوء على توسع نفوذ تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في اليمن، معتبراً أن الحرب وفرت «أرضية مناسبة» لذلك. وشددت جميع الأطراف في مقترحاتها، على خطورة تصاعد الإرهاب في اليمن، ومن بينها «مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين» (ECR)، التي بالإضافة إلى «داعش» و«القاعدة»، حذّرت من «دور تنظيم حزب الله الإرهابي».
و«ECR»، هي مجموعة من نواب اليمين الوسط واليمين المتطرّف، التي وفق ما نقلت مصادر داخل البرلمان لـ«الأخبار»، مقربة من اللوبي الصهيوني، وغالباً ما تتعرض لضغوطات يمارسها الجانب الإسرائيلي بهدف التأثير في البرلمان الأوروبي، والتدخل في صياغة بياناته.
يحمّل مقترح «المحافظين والإصلاحيين»، «المتمردين الشيعة المدعومين من إيران»، مسؤولية معاناة الشعب اليمني، وجر البلاد إلى حالة من الصراع والاقتتال الداخلي، عقب «إطاحتهم بالرئيس المعترف به دولياً في البلاد». وفي حين تنتقد المجموعة، استهداف المناطق السكنية والمستشفيات والمنشآت غير العسكرية، من قبل «جميع الأطراف»، فإنها لا تأتي على ذكر دول تحالف العدوان، وتركز في المقابل، على مهاجمة «الحوثيين»، الذين تتهمهم بـ«استخدام المناطق السكنية لإطلاق الصواريخ الباليستية عبر الحدود الدولية».
وأضافت المجموعة، أن الجماعات «المدعومة من إيران، تتعمّد وضع المدفعية والصواريخ بالقرب من المستشفيات والمدارس والأحياء السكنية»، وهو «تبرير» مطابق للمزاعم الإسرائيلية، بعد ارتكابها المجازر في غزة ولبنان. وفي هذا الصدد، يتضمن مقترح، فقرة تدين «دور حزب الله اللبناني في اليمن»، إذ زعمت «ECR»، مقتل «أعضاء من الجماعة الإرهابية الشيعية المدعومة من إيران أثناء النزاع». واتهمت المجموعة، من دون تقديم أي دليل، حزب الله بـ«المشاركة بشكل مباشر في الحرب، من خلال تدريب المتمردين الحوثيين، والإشراف على وحدات المتمردين»، ودانت «مواصلة نقل تقنيات الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين، من قبل إيران، بما في ذلك العبوات الناسفة، التي يتم التحكم فيها عن بعد (RCIED)»، و«الفيتو» الروسي المتعلق بالدور الإيراني. أما في ما يخص الحصار، تجاهل المقترح الحصار البري والجوي والبحري، الذي تفرضه دول العدوان، مصوباً سهامه في المقابل على «الحوثيين»، الذين يفرضون «حصاراً على مدينة تعز، تسبب في سقوط خسائر مدنية جماعية».
مقترح «المحافظين»، قابَلهُ عدد من المقترحات التي سلطت الضوء على انتهاكات تحالف العدوان، وفي مقدمها مقترح «تحالف الليبراليين والديموقراطيين من أجل أوروبا» (ألدي)، الذي حثّ الرياض مباشرةً على وقف العمليات الجوية ورفع الحصار، داعياً «الدول المعنية، لممارسة أقصى قدر من الضغط من أجل إزالة التصعيد». وعلى ما يبدو، فإن هذه المجموعات نجحت في التصدّي لـ«ECR»، والخروج من البرلمان بقرار غير مثالي، ولكنه «موضوعي» إلى حد ما. هذه «الموضوعية»، أثارت غضب أبو ظبي، التي قالت على لسان وزير الدولة لشؤونها الخارجية، ​أنور قرقاش​، إن «​البرلمان الأوروبي​ صادق على نص منحاز بخصوص ​اليمن​… يتجاهل مسؤولية ميليشيات الحوثي، المدعومة من ​إيران،​ في بدء وإطالة النزاع». واعتبر قرقاش في تغريدة على موقع «تويتر»، أن «التغاضي المتعمد عن هجمات الحوثيين على ​السعودية،​ وداخل اليمن، يهدد مصداقية البرلمان الأوروبي في المنطقة».