جنيف | «هذه ليست مفاوضات، هذا سيرك»، يقول احد المشاركين في مفاوضات «جنيف ٢» التي كان منتظراً ان تبدأ أمس، فإذا بها تتحوّل الى «لقاءات». وفد الحكومة السورية ووفد المعارضة التقيا، كل على حدة، الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي. والأخير، كان قد حدد موعداً لبدء المفاوضات بين النظام السوري ومعارضيه في قصر الامم المتحدة في جنيف، عند الحادية عشرة صباحاً. وصل الوفد الحكومي، لكن المعارضين تخلّفوا عن الحضور.
أعلنوا انهم يرفضون الجلوس في غرفة واحدة مع ممثلي النظام. كان الطرفان قد اتفقا، اول من أمس، على ان تعقد جلسة المفاوضات الاولى، تحت سقف غرفة واحدة، على الا يتحدث الطرفان احدهما مع الاخر، وألا يتصافح أعضاء الوفدين. وحتى الساعات الاولى من صباح أمس، كان الاتفاق لا يزال سارياً. وفد المعارضة ينفي وجود الاتفاق من اصله، لكن مصادر الوسيط الدولي تؤكد ان الائتلاف أخلّ بالاتفاق، بسبب الخلافات داخل الهيئة المعارضة. فحتى الصباح، لم يكن أعضاء الائتلاف قد اتفقوا على اسم رئيس الوفد المفاوض.
سرّب المعارضون في البداية اسم هيثم المالح، كرئيس للوفد. اثار الامر اعتراضات واسعة، داخل الائتلاف وخارجه. تدخل السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، وزميله (السابق)، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان، ضغطا على المعارضين، الذين توصلوا الى تسوية في ما بينهم، تعطي رئاسة الوفد الى هادي البحرة.
والبحرة محسوب على «الوسطيين» في الائتلاف، لكن المعارضين لجأوا الى «حيلة» لمنع حدوث انشقاقات جديدة في هيئتهم، فسمّوا البحرة «كبير المفاوضين»، بدلاً من «رئيس الوفد المفاوض»، على ان يحمل رئيس الائتلاف احمد الجربا، لقب رئيس الوفد المفاوض، من دون ان يحضر المفاوضات بالضرورة.
وعندما توصّل المعارضون الى هذه النتيجة، عادت الأمور الى النقطة الصفر: سيلتقي وفدا الحكومة السورية والمعارضة اليوم، في غرفة واحدة، على ان يكون بينهما الإبراهيمي ومعاونون له. لن يتوجه الوفدان السوريان بالحديث احدهما الى الآخر، مباشرة، بل يتكلم رئيس كل وفد الى الوسيط، الذي ينقل الكلام الى الطرف الآخر.
هذه الوقائع لم تدفع طرفي الصراع السوري، ولا الوسطاء، الى التفاؤل بقرب التوصل الى اتفاق. فمصادر رسمية سورية تقول انه من الممكن ان يكرّر المعارضون ما قاموا به أمس، لناحية الامتناع مجدداً عن حضور الجلسات. وماذا سيكون ردّ فعلكم في هذه الحالة؟ تجيب المصادر: «لا يمكنك ان تدفع ثمن بطاقة حضور السيرك اكثر من مرة. ما يقومون به ليس سياسة، هذا سيرك». هذا مع الإشارة الى ان وزير الخارجية السوري وليد المعلم هدّد الإبراهيمي بمغادرة جنيف إذا امتنع وفد المعارضة عن المشاركة بفعالية في المفاوضات.
في المقابل، لا تبدي مصادر المعارضة اي تفاؤل. تكرّر كلامها عن ان النظام لن يقبل تسليم السلطة. وماذا ستفعلون في هذه الحالة؟
«سنتوجه الى مجلس الامن، الذي عليه ان يتصرف ليدافع عن مندرجات القرار ٢١١٨، الذي تبنّى بيان جنيف ١ كاملاً». قال هذه العبارة برهان غليون، الذي استُقدم على نحو عاجل للتحدث مع عشرات الإعلاميين الموجودين في «قصر الامم» في جنيف، وكررتها بكل قناعة مصادر معارضة في أحاديث جانبية مع الإعلاميين.
وبحسب مصادر أممية وأخرى سورية، لم يتوصل الإبراهيمي الى ورقة عمل مشتركة يحدد فيها ما سيجري التفاوض عليه، ونقاط الاتفاق، ونقاط الاختلاف. ولهذه الأسباب، ستبحث جلسة اليوم في قضايا إجرائية. وتشير المصادر الى ان تفسير مقررات «جنيف ١»، ستكون خاضعة للتفاوض أيضاً. بكلام آخر، لا يزال كل طرف على موقفه. المعارضة مصرة على ان يسلم النظام السلطة الى هيئة حكم انتقالي، فيما السلطة السورية ترفض هذا البند، متحدثة عن «جنيف ١» كرزمة واحدة غير مجزأة، طبعاً مع تحفّظات عليها.
برغم ان الأمور لا تزال في مكانها، خرج الأخضر الإبراهيمي أمس على مندوبي وسائل الاعلام، الذين حضروا مؤتمره الصحافي ليقول ان لقاءاته مع وفدي الحكومة والمعارضة السوريين كانت إيجابية ومشجعة. عبّر الإبراهيمي بهاتين الكلمتين عن رأيه في ما جرى خلف الأبواب المغلقة. اكّد ان وفدي النظام والائتلاف سيجتمعان في غرفة واحدة اليوم.
كان مرحاً الى حد كبير خلال المؤتمر، برغم تعبيره عن تبرّمه من العدد الكبير من الصحافيين السوريين الذين طرحوا عليه أسئلة، هي في معظمها مواقف سياسية اكثر مما هي استفسارات. وكشف الإبراهيمي ان المفاوضات ستستمر عدة ايام خلال الأسبوع المقبل، على ان تعلّق بعد ذلك، لمنح فرصة للمتفاوضين.
التعليق الأبرز على كلام الوسيط الدولي أتى من واحد ممن سيشاركون في مفاوضات اليوم، اذ قال: «من الطبيعي ان يقول الإبراهيمي ان لقاءات اليوم كانت مشجعة وإيجابية. هل تريدون من الإبراهيمي ان يعلن فشل مهمته قبل ان تبدأ؟».