مطر عدوان مات أرئيل شارون السيّئ الذكر، غير مأسوف عليه ولا على ذكراه. منذ ثماني سنوات، دخل في غيبوبة، أدت إلى شلله، وأوقفت عضلاته، بعد جلطتين دماغيتين، أصابته الأولى عام 2005، والثانية التي كانت القاضية، في كانون الثاني / يناير 2006.
خلال تلك الغيبوبة الطويلة، تُرى هل قاضاه أطفال صبرا وشاتيلا، هل رآهم جميعا، هل مروا عليه برعما برعما، هل كلما طلعت الشمس، مسح وجهه بدم أحدهم، وهل كلما عطش شرب من شوارع المخيمات دم الشهداء، هل رأى بيروت في غيبوبته، هل أتاه الشيخ أحمد ياسين على كرسيه المتحرك ليرى أنه جريمة متنقلة.
هل حاسبتموه يا أطفال صبرا وشاتيلا؟؟ أتمنى أن لا تكون قد مرت لحظة على السفاح شارون إلا وحوسب من شهداء فلسطينيين كثر ارتقوا على يديه وتحت إشراف دمويته..

لا أستطيع حين أكتب عن موته أن أؤدي دور الحيادي، لست حياديا مع شارون، يستحق أن يقتل في موته، أن ينثر لحمه في كل أماكن البشاعة والقذارة.
عادة، يمكن الكتابة عن الجريمة، والتعبير عنها ووصفها والتذكير بها، لكن الحديث عن المجرم يبدو هو الصعب، إلّا أن شارون يسهل الحديث عنه، لأنه ذاته الجريمة، ووجوده ووجود كيانه..
العالم المتحضر يعزي به، وبعضهم وصل به الأمر إلى اعتبار أن العالم خسر الكثير بموته، ألم يخسر العالم الكثير بذبح أكثر من ألفي إنسان في صبرا وشاتيلا، وشهداء اجتياح بيروت عام 1982، وحين اجتياح الضفة الغربية، وقصف غزة، وحين اغتال عدة قادة فلسطينيين. كل هؤلاء أصحاب المظلومية لم يمثلوا خسارة لدى العالم المتحضر (الساقط)، لكن وفاة الجريمة شارون، يعد خسارة للسلام.
أوباما يقول في رثاء شارون: «في الوقت الذي تودع فيه إسرائيل رئيس الوزراء شارون، ننضم إلى الإسرائيليين في الإشادة بالتزامه من أجل شعبه»، ويضيف وزير خارجيته جون كيري: «إن مشوار شارون هو نفسه مشوار إسرائيل (...) إن حلم إسرائيل كان مبرر حياته، وقد خاض كل المخاطر من أجل تحقيق هذا الحلم».
صدق أوباما وصدق كيري، أوباما حين أشاد بالتزام السفاح شارون من أجل شعبه، بالذبح والقتل والتدمير، وكيري حين عدّ مشوار شارون مشوار إسرائيل، قال أصدق كلمة، بالنظر إلى تاريخ شارون الدموي، الذي يُعرّف تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، الذي قام على جثث الفلسطينيين ما قبل النكبة عام 1948، حتى يومنا هذا، ومطلع صبح الغد، والأيام القادمة.
تستحق العدالة أن تحاكم بسياط المجازر التي ارتكبها، لأنها لم تحاكم هذا المجرم، قبل وفاته، لأنها تركته، ولم تسأل بآلاف الشهداء الذين ارتقوا ببنادق إجرامه الذي «بنى» كيانه..