تنخرط الأطراف الدولية المعنية بالملف السوري في نشاط مكثّف يتمحور حول «الخطوة التالية» المنتظرة في مسار «التسوية السياسية»، بعد أن صمد هدوء الجبهات في ظل تقاطع الإرادات على تأجيل التصعيد. وتبدو الاستقالة المعلنة والقريبة لستيفان دي ميستورا، نهاية مرحلة يُراد لخواتيمها أن تحمل جديداً في ملف «اللجنة الدستورية»، برغم وجود عقبات يصعب تذليلها. فبعد الجولة الروسية ذات الطابع السياسي ـــــ الأمني، وفق ما تشير أسماء بعض المشاركين في اجتماعاتها، التي شملت معظم دول الخليج العربي واختتمت في دمشق، استضافت موسكو لقاءً غير معلَن مسبقاً، بين نواب وزراء الخارجية للدول الضامنة لمسار «أستانا»، روسيا وتركيا وإيران. ووفق المعلومات القليلة التي رشحت عن اللقاء، فإن ملفي «اللجنة الدستورية» وإدلب، شكّلا محور النقاشات في موسكو. وتوافق الديبلوماسيون الحاضرون على عقد اجتماع جديد ضمن صيغة «أستانا»، تستضيفه كازاخستان مجدداً، بحسب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، الذي كان ضمن وفد بلاده إلى الخليج ودمشق. وبرزت، من بين ما رشح عن اللقاء، تصريحات لنائب وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري، من موسكو، تفترض أن صيغة الاتفاق الحالي بشأن إدلب كانت مقترحاً إيرانياً خرج بعد خلاف روسي ـــ تركي، على حدّ ما نقلت عنه وسائل الإعلام الإيرانية. ورغم أن التصريح يتنافى بالكامل مع طبيعة الاتفاق المعلنة وآلية إخراجه التي لم تشمل إيران، بصفتها دولة ضامنة، فإن أنصاري أكد أن ما يجري تنفيذه كان حلاً «وسطاً» و«مرحلياً»، ومن شأنه إعادة المنطقة إلى «سيادة الدولة السورية من دون أثمان إنسانية»، على حدّ ما نقلت وكالة «إرنا».
فوتيل: وجودنا في التنف يحدّ من أنشطة «إيران ووكلائها»

وإلى حين موعد عقد لقاء «أستانا» الجديد المرتقب في تشرين الثاني المقبل، ستستضيف إسطنبول قمة رباعية تجمع زعماء فرنسا وتركيا وروسيا وألمانيا، بعد أيام. كذلك سيعقد على هامشها، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومضيفه التركي رجب طيب أردوغان، لقاءً ثنائياً. ورغم أن القمة الرباعية ستشكل منصة غير مسبوقة في الشأن السوري، من حيث الشكل وطبيعة الأطراف المشاركة فيها، إلا أن المتحدث باسم «الكرملين» ديميتري بيسكوف، أكد أن بلاده لا تتوقع أن تحمل أي «اختراق» على مسار «التسوية السورية»، موضحاً أنها «لن تخرج بأي اتفاقات... ولكنها ستشكل فرصة لتبادل الآراء والبحث عن الأوجه المحتملة للتعاون».
وفي موازاة العمل التركي الناشط لحلحلة المشاكل التي تعترض إنفاذ «اتفاق سوتشي» في محيط إدلب، ينتظر أن تشهد الأيام المقبلة، انطلاقاً لمرحلة جديدة من التعاون التركي ــــ الأميركي في منبج، عبر تنفيذ دوريات مشتركة بعد انتهاء تدريبات حالية بين عسكريي البلدين. ووسط تشكيك تركي متواصل في التزام «وحدات حماية الشعب» الكردية خريطة الطريق الخاصة بالمدينة، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن روسيا أدركت أن «الوحدات» الكردية تنظيم «إرهابي»، مؤكداً أنْ «لا يمكن أن تشارك (الوحدات) في لجنة صياغة الدستور... لن نسمح بذلك». الموقف التركي غير الجديد، بدا كأنه يعوّل على تفاهم مع الجانب الروسي بإقصاء الممثلين السياسيين لـ«الوحدات»، عن تشكيلة «اللجنة الدستورية». وفي ضوء التوافق السابق حول حصتي الحكومة والمعارضة ضمن تلك «اللجنة»، تشير التصريحات التركية إلى احتمال وجود طروحات لإدخال القوى السياسية في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» إلى مسار جنيف. هذه الأجواء تزامنت مع زيارة لافتة قام بها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جايمس جيفري، الاثنين، إلى كل من الرقة وعين عيسى ومنبج، وسط شحّ في تغطيتها الإعلامية. وتوضح المعلومات المتوافرة أن جيفري التقى مسؤولين في «الإدارات المحلية»، إلى جانب ممثلين عن القوى السياسية، وذلك بعد أيام على زيارته السعودية وتركيا، ولقائه كبار مسؤولي الدولتين، إلى جانب أبرز أعضاء «هيئة التفاوض» المعارضة. ولم يأتِ هذا الدخول الأميركي على الخط السياسي، وحيداً، إذ تزامنت جولة جيفري بزيارة أخرى غير معلنة مسبقاً، قام بها قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي جوزيف فوتيل، الاثنين، لمنطقة التنف، بصحبة عدد من الصحافيين. وأوجز فوتيل دور قوات بلاده وعناصر «التحالف الدولي» في تلك المنطقة، بالقول إن «وجودنا وتطوير علاقاتنا وعمل شركائنا هنا، له تأثير غير مباشر على بعض الأنشطة الخبيثة التي تودّ إيران ومختلف وكلائها والعاملين معها القيام بها هنا». وربطاً بمجريات المسار السياسي، قال إن «جزءاً أساسياً من عملنا هو ضمان حصول ديبلوماسيينا على أقصى قدر من النفوذ للقيام بعملهم. والسيطرة على المناطق ــــ سواء في التنف أو في أي مكان آخر ــــ توفر هذا النفوذ».