جدّدت واشنطن تمسّكها بـ«مصالحها» في العلاقة مع السعودية
هذا الاندفاع الأميركي نحو الخليج، على رغم تداعيات قضية خاشقجي، يمثّل عنصر إقلاق للأتراك، الذين لا يريدون «تمويت» القضية قبل الاستحصال على ثمنٍ يرون أن الفرصة مناسبة لجنيه. ولعلّ ذلك القلق هو ما يتبدّى في خلفية التصعيد الذي لجأ إليه، أمس، الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، متجاوِزاً الأسئلة إلى مواقف حادّة وتهديدات صريحة. وبعدما اكتفى في خطابه الأخير أمام البرلمان بانتقاد تبدّل الرواية السعودية مراراً، ذهب إردوغان إلى وصف التصريحات السعودية الأولى بشأن مقتل خاشقجي بـ«المضحكة والصبيانية»، معتبراً أنها «لا تتوافق مع جدية الدولة». ولم يخفِ زعيم حزب «العدالة والتنمية» حقيقة أنه يناوِر في تعامله مع الحادثة، إذ أكد أن «لدينا معلومات ووثائق أخرى، ولكن لا داعي للتعجّل... إن غداً لناظره قريب»، في ما قد يُقرأ تلويحاً بإماطة اللثام عن أدلّة على مستوى من الخطورة، من شأنها مفاقمة إحراج واشنطن والرياض. وعلى سبيل تصعيد الضغوط أيضاً، توجّه إردوغان إلى السعوديين بالقول: «إذا كنتم تريدون إزالة الغموض، فالموقوفون الـ 18 هم النقطة المحورية في التعاون بيننا. وإذا كنتم لا تستطيعون إجبارهم على الاعتراف بكل ما جرى، فسلّموهم إلينا لمحاكمتهم». دعوة تولّى وزير العدل، عبد الحميد غُل، إسباغ مزيد من الجدّية عليها، بقوله مساء أمس إن بلاده تنتظر استجابة الرياض لمطلبها تسليم المشتبه فيهم إلى نيابة اسطنبول حتى تتمّ محاكمتهم هناك. وكانت وزارة العدل التركية قد أرسلت طلب التسليم، بعد تلقّيها أسماء المشتبه فيهم من نيابة اسطنبول، إلى وزارة الخارجية، بهدف نقله إلى السلطات السعودية. وترافق ذلك مع الإعلان عن زيارة للنائب العام السعودي، سعود المعجب، يوم غدٍ الأحد، لاسطنبول.
ويأتي تصاعد الضغوط التركية على السعودية، في وقت خفتت فيه حدّة المواقف الأوروبية إزاء قضية خاشقجي، وهو ما يولّد خشية لدى أنقرة من تراجع القضية في سلّم الأولويات، مع ما يعنيه الأمر من انعكاسات سلبية على تكتيكاتها السياسية. وفي أعقاب تلويحها بعقوبات ضد السعودية في حال ثبوت تورّطها في مقتل خاشقجي، وصفت فرنسا الدعوة إلى وقف مبيعات الأسلحة الأوروبية للرياض بأنها من «باب الديماغوجية البحتة». واعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحافي في براتيسلافا، أن بيع السلاح لا «علاقة له بخاشقجي، لا يمكن خلط الأمور بعضها ببعض»، مضيفاً إنه «لا بد من رد أوروبي في كل المجالات، ولكن بعد التثبّت من الوقائع»، ما يوحي بأن باريس بدأت تتخذ مساراً تراجعياً، على رغم أنها منذ وقوع الحادثة لم تبارح دائرة التهديدات الفضفاضة.