لا تخيّب الممالك والإمارات والسلطنات في الخليج الظنّ الثابت فيها. هي ملازِمة للفَلَك الاستعماري بنسختَيه البريطانية والأميركية. يكاد الخروج من هذا الفَلَك يشكّل بالنسبة إليها انقطاعاً لأسباب البقاء. قد تختلف في ما بينها، وقد تنمّي أحقاداً، وقد تتبادل الضرب تحت الحزام وفوقه، لكنها تبقى جميعها تحت مظلّة الراعي الأميركي الذي يشكّل مدى القرب من إسرائيل مقياساً لنيل رضاه والبقاء في جُنحه. عقب اندلاع الأزمة الخليجية، اختلف السعوديون والإماراتيون والقطريون على كل شيء... إلا على إسرائيل. ظلّ الاشتغال على نيل رضى اللوبيات الإسرائيلية عنصراً جامعاً ما بين المتنازعين، وغابّاً لأموالهم. ومع ذلك، لم يجد «الأشقاء» حرجاً في المزايدة على بعضهم البعض بـ«لوثة» التطبيع، حتى أن «كبيرهم الذي علّمهم السحر»، أي السعودي، كان يسارع إلى «فضح» اللقاءات القطرية ـــ الإسرائيلية، وهو الذي لم يترك ـــ تحت قيادة محمد بن سلمان ــــ اجتماعاً سرياً أو علنياً يعتب عليه، مُتصدِّراً صفوف المروّجين لـ«صفقة القرن» وجاهداً في سبيل إتمامها.أما الإماراتيون فلا شأن لهم في حديث «الفضائح». هم من روّاد «فلسفة» الاعتدال التي يتولّى التنظير لها سفيرهم في واشنطن يوسف العتيبة، والتي يرون أنها ترتّب عليهم «واجب» التشجيع على «التطبيع» بمعزل عن أيّ اعتبارات أخرى. أريحية تنسحب أيضاً على «الشقيقة الأصغر»، مملكة آل خليفة، حيث تبدو الأمور على هيئتها الأكثر نصاعة، مُجرّدة من أي مساحيق أو تبريرات. خادم الأميركيين والبريطانيين الأمين لم يغصّ يوماً بالإسرائيليين، بل إن التقرّب إلى الأخيرين كان دوماً الأحبّ إليه من بين جميع الاختبارات السعودية.
وإذا كانت التبعية للسعودية تستلزم حكماً ودّاً مع إسرائيل، فإن البعد منها لا يبدّل من الأمر شيئاً. سلطنة عُمان، النائية بنفسها عن كلّ معارك المملكة، لم تكتفِ بموقف الحياد إزاء ما تشهده الأراضي المحتلة، بل ذهبت أبعد من ذلك، مُتلقّيةً الجلّاد الإسرائيلي في الأحضان. مشهد لا يبدو معزولاً من ديناميات السعي إلى «الحماية» المتسارعة في الخليج اليوم، والتي تجلّي حاجة كلّ من المشيخات إلى تحصين نفسها بوجه «الأشقاء الأعداء» عبر اللجوء إلى أسيادهم.