بينما أعاد نشاط «داعش» على الضفة الشرقية لنهر الفرات تسليطَ الضوء على فشل «التحالف الدولي» (المُفتعل أو الطبيعي) في حسم المعركة ضد التنظيم في جيب هجين، كانت الأعين خلال اليومين الماضيين شاخصة نحو القمة الرباعية (ضمت رؤساء روسيا وتركيا وفرنسا والمستشارة الألمانية) التي استضافتها اسطنبول أول من أمس. ورغم غياب الطرفين السوريين، الحكومي والمعارض، عن قائمة المدعوين إلى تلك القمة، فقد شكّلت نقطة جديدة على مسار «التسوية»، يمكنها ــــ إذا ما تمّ البناء عليها لاحقاً ــــ أن تتحول إلى مفتاح مرحلة جديدة من التعاطي الدولي مع الملف السوري.في الحد الأدنى، انتهت القمة ببيان مشترك أكّد فيه قادة الدول الأربع «التزامهم بالسيادة والاستقلال والوحدة والسلامة الإقليمية للجمهورية العربية السورية»، معلنين «تصميمهم على مقاومة الخطط الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة سوريا وسلامة أراضيها، وكذلك الأمن القومي للدول المجاورة». أما في ما يمكن أن تصل إليه إن استكملت نقاشاتها لاحقاً بنجاح، فإن توصيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لها عقب الاجتماعات، قد يشكّل التصوّر الأكثر تفاؤلاً في هذا الشأن، إذ اعتبرها «خطوة إلى الأمام» على طريق توحيد جهود «المجموعة المصغّرة» و«ضامني أستانا»؛ وتلاقى ذلك مع حديث مماثل من بوتين.
القمة التي تأخر انعقادها بسبب تردّد أوروبي، مثّلت الخطوة الأكثر جدية تجاه الاعتراف بأهمية النتائج التي وصل إليها مسار «أستانا». ونقلت صحيفة «حرييت» التركية عن مصادر ديبلوماسية أوروبية قولها إن الطرفين الفرنسي والألماني كانا حريصين على عدم تظهير القمة كأنها موجهة ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ ولهذا ربما حرص بيان الرئاسة الفرنسية الذي صدر قبل انعقاد القمة، على تأكيد تطابق الموقفين الفرنسي والأميركي، والإشارة إلى تمثيل ماكرون (بشكل غير مباشر) وجهة النظر الأميركية في الاجتماع. وبدا لافتاً غياب إيران عن لقاء إسطنبول، رغم كونها ضلعاً في مثلث «أستانا»، وذلك بعد استثنائها من التوقيع على «اتفاق سوتشي». ومن المحتمل أن ذلك ساعد على تجنّب تعطيل تعاون الأوروبيين بشكل فاعل، بضغط أميركي، فيما تتولى روسيا وتركيا لاحقاً إحاطة الجانب الإيراني والتعاون معه على الأرض. وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيتم إبلاغ طهران بكل التفاصيل حول «قمة اسطنبول»، في وقت قال فيه بوتين إنه «يجب إجراء مشاورات مع الحكومة السورية وإيران، لأنه من دون إيران كما تعرفون... لن يتم حل القضية بفعالية». ومن المتوقع أن يصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، اليوم، إلى تركيا، لحضور لقاء ديبلوماسي هناك، حيث ستشكل الزيارة فرصة لنقاش مخرجات القمة الرباعية.
وخلال القمة، أكد المجتمعون ضرورة التعاون للحفاظ على الهدنة والتفاهم حول مصير إدلب ومحيطها، ودفع عملية تأليف «اللجنة الدستورية»، على أمل إتمام ذلك قبل نهاية العام الجاري، مع تعهد مبهم بضرورة تهيئة ظروف عودة اللاجئين الطوعية إلى سوريا. وتمايزت التصريحات الروسية عن باقي الأقطاب؛ إذ رأى بوتين أن إنشاء «اللجنة الدستورية» يجب أن يكون «شاملاً ومختصاً حتى يعترف بها جميع الأطراف... وتكون فعالة وقادرة على إعداد وتنفيذ الإصلاح الدستوري الذي طال انتظاره، والذي من شأنه تقوية الدولة وتوحيد المجتمع السوري». وشدد على أن «العمل يجب أن يتضمن لهجة هادئة ومحترمة تجاه الحكومة الشرعية». وحول إدلب، أكد أن بلاده تحتفظ بحق دعم الحكومة في «استئصال المجموعات الإرهابية»، وأن «اتفاق سوتشي» الجاري تنفيذه اليوم هو «إجراء مؤقّت». ومن جانبه، صوّب أردوغان نحو شرق الفرات، مؤكداً استعداد بلاده لشن عملية جديدة هناك إذا ما لزم الأمر، ليترجم ذلك على الأرض بعد أقل من يوم واحد، عبر قذائف مدفعية طاولت مواقع في محيط عين العرب (كوباني) الحدودية.
وفي انتظار بيان ما إذا كان الأساس الذي وضعته «قمة إسطنبول» قابلاً للبناء عليه نحو تعاون أكبر بين «المجموعة المصغّرة» و«ضامني أستانا»، وهو ما سيحدده بشكل كبير الموقف الأميركي الذي قد يتضح في مخرجات لقاء «المجموعة المصغرة» المنعقد أمس في لندن، فإن الواضح حتى الآن أن موسكو تمكنت من استثمار الوقت الذي منحته لأنقرة عبر «اتفاق سوتشي» لتقريب «شركاء محتملين» من محور «أستانا»، الذي وُلد ليحتوي الجانب التركي، وتمكّن من استقطاب قبول أممي وتصدير نتائجه إلى «سوتشي» لتترجم عبر «لجنة دستورية» باتت «مساراً شبه إجباري»، وأصبح جميع الأطراف يطالبون بسرعة تأليفها.