انتهى اليوم الرابع لمؤتمر «جنيف 2» من دون تحقيق أي نتيجة. تقدّم الوفد الحكومي بورقة سياسية مدركاً سلفاً، ربما، أنّ وفد «الائتلاف» المعارض سيرفضها. رفضها الوفد. المسرحية مستمرّة حتى يوم الجمعة. جديدها الوحيد أنها بدأت تدفع إلى الملل. لا شيء ينعشها سوى هجمات الوفدين على محطات التلفزة المنتشرة خارج مبنى الأمم المتحدة. هذا يتهم، وذاك يردّ. مشهد يتكرّر منذ 4 أيام.
ورقة الوفد الحكومي عبارة عن صفحة واحدة تحمل 5 نقاط. يكاد قارئها يكتشف أن ثمة رغبة حقيقية من خلفها في احراج «الائتلاف». لا هو يستطيع قبولها ولا هو قادر على اللجوء إلى ذرائع دامغة لرفضها. سارع «الائتلاف» إلى القول إنّها انحراف عن إطار «جنيف 1» وإن لا قبول للتفاوض بغير هذا الإطار.
خطة الوفد الحكومي لاحراج «الائتلاف»؟
الورقة الحكومية تتحدث عن السيادة ورفض التدخلات ومحاربة الارهاب. ولكن بين سطورها يمكن أن تحمل معاني خطيرة لـ«الائتلاف» لأنها تمسّ بجوهر الدعم الخارجي له.
في البند الأول، مثلاً، كلام عن «العمل على استعادة الأراضي السورية المغتصبة كافة». هل كلمة «كافة» تقتصر على الجولان أم تشمل الاسكندرون؟ هذه تمسّ بعلاقة «الائتلاف» بتركيا.
في البند الثاني «يقرر السوريون بأنفسهم مستقبل بلادهم عبر الوسائل الديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع وامتلاكهم للحق الحصري في اختيار نظامهم السياسي بعيداً عن أي صيغ مفروضة لا يقبلها الشعب السوري». هل المقصود رفض الصيغة الدولية في «جنيف 2» حول الهيئة الانتقالية؟
في البند الرابع كان الفخ الأكبر. يتحدث عن رفض الارهاب ومكافحته ونبذ كافة اشكال التعصب والتطرف والافكار التكفيرية الوهابية ومطالبة الدول بالامتناع عن التزويد بالسلاح أو التدريب أو الايواء أو المعلومات أو توفير ملاذات آمنة للجماعات الارهابية أو التحريض الاعلامي على ارتكاب اعمال ارهابية التزاماً بالقرارات الدولية الخاصة بمكافحة الارهاب»... لو قبل «الائتلاف» لكان تورط، من دون أن يدري، في انتقاد داعميه وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.
في البند الخامس: «الحفاظ على كافة مؤسسات ومرافق الدولة والبنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة وحمايتها». لو قبل «الائتلاف» لكان تورط في عدم نقل اية صلاحيات، ووافق على بقاء الجيش والامن وكل شيء آخر دون أي مساس به.
سارع «الائتلاف» إلى الرفض. كان الأمر متوقعاً. خرج أعضاء الوفد الحكومي يقولون إنه، برفضه، يتمسك بما يدعم الارهاب والتدخل الخارجي وينسف سيادة ووحدة وسلامة أراضي سوريا. رد «الائتلاف» بالقول إن النظام يراوغ.
يقول وزير الاعلام السوري عمران الزعبي إنّ الرفض لم يكن صنيعة «الائتلاف» فقط. يؤكد أن اثنين من أعضائه خرجا وتشاورا مع السفير الأميركي روبرت فورد وعادا رافضَين. يؤكد أن السعودية وقطر وتركيا لا تزال تدفع لعدم التسوية.
هكذا انتهى اليوم الرابع بتوسيع الهوة السياسية بين الجانبين. أما الجانب النفسي فلا يزال الطرفان يرفضان التحاور المباشر ويتخاطبان عبر الإبراهيمي.
حاول المبعوث الدولي ايجاد مخرج قانوني لمطالب الحكومة بتعديل بند الهيئة الانتقالية في «جنيف 1» والذي ينص على نقل صلاحيات الرئاسة إلى الهيئة. طلب أن يتحدث باسمه مستشار قانوني دولي. رفض الوفد السوري. برر الرفض بأن الإبراهيمي وسيط ولا يحق للوسيط أن يلجأ إلى مثل هذه الوسائل.
يدرك كل طرف في «جنيف 2» أنّ في الأمر مجرد تقطيعٍ للوقت. ينتظران مرور ما بقي من أيام للعودة إلى معاقلهم. المبعوث الدولي نفسه يتحدث عن عدم تحقيق أي نتيجة فعلية حتى الآن. يتمسك مع ذلك بـ «الأمل في دفع الطرفين إلى التفكير بشعبهما السوري ووقف الحرب الظالمة». ليس للأمل مكان فعلي في حرب يشارك فيها العالم. هذا يناصر النظام وذاك يدافع عن المعارضة. لا يزال كل طرف يعد النفس للانتصار النهائي على الآخر.
يخرج عضو «الائتلاف» أنس العبدي ليؤكد أنّ ثمة لائحة جاهزة بأسماء شخصيات للهيئة الانتقالية. يوضح أن بينها علويين ومسؤولين لا يمكن الكشف عن اسمائهم الآن حماية لهم. يتردد في أروقة جنيف كلام أميركي حول البحث عن شخصية بديلة للرئيس الأسد. تكاد التسريبات تقول إنهم أرسلوا للروس أسماء لهيئة انتقالية. ينفي الروس مثل هذا الاحتمال. ثمة من ينقل عنهم أن هذه المسألة غير مطروحة أصلاً حالياً للنقاش.
ذهب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى الاتحاد الأوروبي قبل نحو اسبوع. طالب الأوروبيين بالضغط على موسكو للقبول بصدور قرار عن مجلس الأمن ضد سوريا. يقول إن أنقرة مستعدة للمساهمة في تطبيق القرار. يتقاطع ذهابه إلى بروكسيل مع تأكيد لعضو الائتلاف برهان غليون بأنه لا بد من العودة الى الفصل السابع.
يطالب رئيس الوزراء التركي الأوروبيين، أيضاً، برفع المساعدات للاجئين السوريين. يرد عليه الأوروبيون بالقول إنّ الوضع الاقتصادي لأوروبا ما عاد يسمح بذلك. كانت تلك المحاولة الأخيرة لأردوغان قبل التوجه اليوم إلى إيران.
يدرك المتحاورون في جنيف أن الحوارات الحقيقية تجري في مكان آخر. «لا مجال لانتظار معجزات». قالها الأخضر الإبراهيمي صراحة أمس.
في الطريق من الأمم المتحدة إلى الفندق. يسأل سائقنا اللبناني الأصل كما في كل مساء: «هل حصل أي تقدم». نجيبه كما في كل مساء: «للأسف لا». يروي لنا كيف أن عامل النظافة في سويسرا يتقاضى ضعف الراتب العادي لأن الدولة تريد أن ينظر الناس إليه باحترام أكبر. يخبرنا أنّ زميلاً له سوري الأصل تقدم بطلب للعمل في البلدية. لا يزال ينتظر منذ 3 سنوات. الوظيفة مغرية والوطن يحترق. لعامل النفايات هنا حقوق يتمنى كثيرون أن يحصلوا عليها... يبتسم سائقنا اللبناني ويقول: «يبدو أنّ الأزمة السورية طويلة، سيكون عند صديقنا متسع من الوقت للحصول على الوظيفة». بعد أكثر من أسبوع في مونترو وجنيف لم ينجح الإبراهيمي في دفع الطرفين حتى لتبادل صباح الخير. هل للأمل فعلاً مكان؟ هي مأساة وطن لا يعلم غير الله متى تنتهي وكيف.