منذ انطلق التفاوض الأميركي ــــ التركي في شأن مستقبل مدينة منبج، أصرّ المسؤولون الأتراك على إدراج مناطق شرق الفرات في تصريحاتهم، بوصفها هدفاً تالياً للتعاون (التصعيد) إذا نجحت (أو فشلت) خريطة الطريق التي اتُّفق عليها حول منبج. اليوم، رغم انشغال أنقرة في ملفات كثيرة وشائكة، بينها إنفاذ المرحلة الثانية من «اتفاق سوتشي» الخاص بإدلب ومحيطها، يتحول تركيزها الإعلامي، والعسكري بنسبة أقل حتى الآن، نحو مناطق انتشار «قوات سوريا الديموقراطية» شرق الفرات. فبعد أقل من يوم واحد على انعقاد القمة الرباعية (انطلق السبت الماضي وجمعت قادة روسيا وألمانيا وفرنسا وتركيا) التي استضافتها إسطنبول لبحث الملف السوري، استهدفت مدافع الجيش التركي عدة نقاط في محيط زور مغار وعين العرب (كوباني) وتل أبيض، في رسالة واضحة مفادها أن تركيا انتهت من ترتيب أوراق مرحلية في غرب الفرات، وبات في إمكانها إطلاق «بازار» التسويات على طول الحدود شرقاً، حيث المعاقل الأهم لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية. وما جرى إبرازه في الميدان ظهرَ بشكل أوضح في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، التي هدد فيها بـ«تدمير بنية الإرهاب في شرق نهر الفرات»، مشيراً إلى أن بلاده انتهت من وضع «خطط لعملية شاملة وفعالة» تستهدف «الوحدات» الكردية.
أثنت موسكو على جهد أنقرة المبذول لتنفيذ «اتفاق إدلب»

وبرغم اللهجة الحادة التي استخدمتها أنقرة، فإن حسابات الميدان قد تأتي وفق صيغة أقل تسارعاً للأحداث، ولا سيما في ضوء ما يجري على الضفة الغربية للفرات حول منبج. فمع انتهاء التدريبات التركية ــــ الأميركية المشتركة الهادفة لتسيير دوريات مشتركة على طول خط التماس بين مناطق سيطرة «قسد» والقوات التركية والفصائل العاملة معها في محيط جرابلس، ينتظر أن يدخل تنفيذ «خريطة الطريق» هناك، في مرحلة جديدة أكثر استقراراً، إن لم تطرأ مفاجآت غير محسوبة. وبرز أمس حرصٌ من وزارتي الدفاع، الأميركية والتركية، على إعلان انتهاء التدريبات والاستعداد للانتقال إلى التنفيذ، قريباً، فيما نقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر عسكرية في أنقرة، قولها إن الدوريات المشتركة قد تبدأ العمل اليوم. وتؤكد أوساط «قسد» أن تلك الدوريات لن تغيّر في واقع السيطرة على المدينة، التي يفترض أن تبقى تحت سيطرة «مجلس منبج العسكري». وبالتوازي، تربط تلك الأوساط تعاظم الضغط التركي باتجاه شرق الفرات، بتوقيت نشاط «داعش» في محيط وادي الفرات.
التلميح إلى استغلال التنظيم لم يأتِ من طرف واحد، إذ خرج الرئيس التركي أمس بتصريحات لافتة، متهماً فيها «قوة» لم يسمّها، بمحاولة إعادة إحياء «داعش» وبـ«استخدام جميع المنظمات الإرهابية بشكل عشوائي كرافعة لتحقيق أهدافها في المنطقة»، وقال: «لا أحد في المنطقة ولا في العالم يصدّق لعبة داعش»، مضيفاً في الوقت نفسه أن بلاده «لن تسمح لداعش بجرّ إدلب، ومن ثم كل سوريا، إلى الفوضى».
التعهد بـ«مكافحة الإرهاب» جاء أيضاً على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي شدد على أن تنفيذ مذكرة التفاهم التي وقعتها بلاده وروسيا في شأن إدلب، يجري وفق المخطط، مؤكداً استعداد بلاده للتدخل إن «أظهرت الجماعات الإرهابية نهجاً مختلفاً» عمّا يجري اليوم. وتعليقاً على سؤال عن إشارة دمشق إلى عدم التزام الجانب التركي تنفيذ «اتفاق إدلب»، رأى المتحدث باسم «الكرملين» ديميتري بيسكوف، أنه «ما من تهديد حاليّ قد يؤدي إلى فشل تنفيذ الاتفاق»، مثنياً على «الجهد التركي العظيم المبذول في سبيل التزام بنوده».