كاد السودانيون يفرحون بـ«مفاجأة» رئيسهم عمر حسن البشير، توقعاً منهم أن حاكمهم سيعلن في خطابه الأخير، الذي ألقاه أمس، استقالته، ليتنحى عن كرسي الرئاسة الذي حصل عليه بانقلاب أبيض منذ عام 1989. بيد أن التوقعات التي سبقت الخطاب اصطدمت باستمرار الصورة النمطية للسلطة في الوطن العربي، رغم ما حصل من تحولات سلطة طالما كانت سبباً في حروب ومآسٍ يدفع ثمنها الفقراء.
اللافت في خطاب الجنرال، الذي وصل إلى السلطة بدعم إسلاميين زجّهم في السجون في ما بعد، أنه أتى بعد نحو أسبوع من لقائه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في العاصمة الخرطوم، حيث كان الأخير يقوم بمحادثات تتعلق بتحريك عجلة الحوار الوطني والإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل، وصوغ دستور جديد للبلاد.
لهذا كانت إحدى نتائج هذه الزيارة «المباركة»، توحي بأن ما فعلته واشنطن من اتفاقات مع إسلاميين تمهّد لدعمها تسلمهم السلطة، ولا سيما في مصر وتونس، قد يتكرر في السودان، حيث شكّل حضور الزعيم الإسلامي المُعارض حسن الترابي، سابقة، ولا سيما أنه أُبعد في عام 2000 عن الهيئات القيادية في حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، وكان حضوره هذا لافتاً؛ لكونه أتى بعد 14 عاماً من مقاطعته لمؤتمرات البشير وخطاباته. وبدا أن دعوة الرئيس للحوار مع المعارضة والمتمردين المسلحين، خلال خطابه الذي وصفه من قبل بـ«المفاجأة»، قد تم التحضير لها مُسبقاً، إذ تجلىّ بحضور زعماء المعارضة: رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، ومؤسس حركة الإصلاح المنشقة عن الحزب الحاكم، غازي صلاح الدين العتباني، والترابي الذي يتزعم حزب المؤتمر الشعبي. مع العلم أنها ليست دعوته الأولى إلى الحوار الشامل، وخصوصاً مع المتمردين المسلحين، لكنه هذه المرة توجه مباشرة إلى وجوه المعارضة، وخصوصاً الأعضاء المنشقين من حزبه. «المفاجأة» بالنسبة إلى مؤيدي البشير كانت في دعوته الجماعات المسلحة وجميع الأحزاب السياسية إلى الاجتماع وبحث سبل النهوض بالبلاد، لكن عدم حصول مفاجأة في رأي معارضيه كان سببه عدم تعهده إجراء تعديلات دستورية.
لقد دعا البشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بجرائم حرب، إلى «الاستعداد لوثبة وطنية شاملة وطموحة لا حزبية»، محدداً ملامحها في أربعة مرتكزات أساسية، هي: تحقيق السلام، وحرية الترتيب السياسي، والخروج بالمجتمع من ضعف الفقر لإعداد القوة المستطاعة، وإنعاش الهوية السودانية التاريخية.
لعله بخطابه هذا يظن أنه ينزع فتائل تفجّر الخلافات السياسية، بعد نحو 4 أشهر من قمعه للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في الخريف الماضي في الخرطوم وبور سودان ومناطق أخرى ضد سياسة رفع الدعم عن المحروقات ومواد غذائية. وخصوصاً بعد تراجع حاد في إيرادات النفط بسبب مشاكل دولة جنوب السودان.
مع ذلك، لم ينجح الرجل الجاثم على كرسي السلطة منذ ربع قرن، في تشكيل حالة قبول واسع لخطابه من التيارات السياسية فظهر الانقسام واضحاً بينها إزاء سياسته الجديدة.
ففيما رفضت أحزاب الشيوعي والمؤتمر السوداني والناصري والبعث تلبية الدعوة لحضور خطاب الرئيس البشير، أعلن الترابي غداة هذه «المفاجأة» أن «الخطاب لم يكن على مستوى توقعاتنا».
وقد تكون دعوة كارتر للترابي إلى زيارة واشنطن والتي قبلها، خلال لقائهما في 23 الشهر الحالي في الخرطوم، هي أحد أهداف الإدارة الأميركية لتعزيز وضع المعارضة الإسلامية التي يقودها الزعيم الإسلامي الذي بدأ حياته السياسية والدعوية عضواً في حركة الإخوان المسلمين، قبل أن يتخذ منهجاً فكرياً مختلفاً عن التنظيم العالمي للإخوان.