عمان | تسلّم الملك الأردني، عبد الله الثاني، «جائزة جون تمبلتون» في واشنطن قبل أيام (الاثنين الماضي)، وذلك «تقديراً لجهوده في تحقيق الوئام بين الأديان وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وحماية الحريات الدينية» كما ورد في الموقع الإلكتروني للجائزة والديوان الملكي. ومع أن موضوع الإرهاب والتطرف ذُكر على نحو عابر، فإن أسئلة كثيرة تطرح في هذا السياق، خصوصاً مع الضربات الإرهابية داخل الأردن، وبعد تعرض الأمين العام لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، يونس قنديل، للاختطاف والاعتداء عليه الجمعة الماضي على يد مسلحين، ضمن موجة احتجاج وتهديد وصلت العاملين في المؤسسة، عقب قرار وزير الداخلية منع إقامة مؤتمر فلسفي للمؤسسة جراء اعتراض نواب من كتلة «الإخوان المسلمون».لم يكن اعتباطياً ترشيح الملك لجائزة رفيعة المستوى عن هذا العام، خصوصاً مع الجهود الأردنية المبذولة، منذ إعلان دونالد ترامب القدس «عاصمة لإسرائيل»، في تثبيت «الوصاية الهاشمية» على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة. وكانت مؤسسة «تمبلتون» قد أعلنت في حزيران/ يونيو الماضي فوز عبد الله، رابع ملوك الأردن، بهذه الجائزة في مرحلة كانت تمر فيها المملكة بالتهميش والإقصاء جراء «صفقة القرن».
الجائزة تأخذ صبغة «روحية» ودينية، ومُنحت للعديد من الشخصيات من أبرزهم الأم تريزا عام 1973، والدالاي لاما في 2012، والقس ديزموند توتو (كبير أساقفة جنوب أفريقيا السابق) في 2013، والحاخام البريطاني رابي ساكس في 2016. وفي استعراض الأسباب التي دفعت إلى منح عبد الله الجائزة (تبلغ قيمتها النقدية 1.1 مليون جنيه إسترليني) ذُكرت المبادرات الملكية والمؤتمرات التي حشدها منذ 2004، أي بعد عام واحد من احتلال العراق، ابتداءً بـ«رسالة عمّان» التي تعدّ بياناً مفصّلاً، وغايتها أن تعلن على الملأ «حقيقة الإسلام وما هو الإسلام الحقيقي، وتنقية ما علق بالإسلام مما ليس فيه، والأعمال التي تمثّله وتلك التي لا تمثّله». آنذاك أُرسل البيان إلى أربعةٍ وعشرين عالماً من بينهم شيخ الأزهر والمرجع علي السيستاني، والشيخ يوسف القرضاوي، إضافة إلى عقد «المؤتمر الإسلامي الدولي الأول» في 2005.
وعلى رغم أن الجائزة التي حصل عليها عبد الله معنوية وتعزز موقفه خارجياً وتقدّمه كنموذج «سني» حليف للغرب «معتدل ومرن»، فإن التفاصيل المذكورة للمبادرات والجهود المحلية والدولية لم تحاكِ الواقع الأردني، لا سيما مع توجه آلاف الأردنيين للقتال في سوريا والعراق ملتحقين بجماعات تكفيرية، عدا الحاضنة الشعبية للتيارات السلفية والجهادية وحركات الإسلام السياسي، مع ملاحظة أن «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، تعد صاحبة أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب الحالي. كما أتى تسلّمه الجائزة بعد أيام من اعتداء مسلحين مجهولين على يونس، والمنع الحكومي لمؤتمر «مؤمنون بلا حدود».
المملكة غارقة في نماذج من التيارات الإسلامية بأفكارها المتشددة


وعلى رغم وصول تهديدات إلى قنديل وزملائه، فإن الدولة لم تحرك ساكناً، حتى أعلنت عائلة قنديل وزملاؤه اختطافه، لتعثر عليه الأجهزة الأمنية صباح اليوم التالي. وفي بيان المؤسسة، ورد أن يونس رُبط وأُلصق شريط على فمه، كما وُضع كيس على رأسه، ثم أحرقوا أجزاء من جسده، ولسانه، بعدما كسروا إصبعه وكتبوا على ظهره بالمشارط والأدوات الحادة عبارات مثل: «إسلام بلا حدود ومسلمون بلا حدود». ووضعوا القرآن فوق رأسه وأوهموه بأنه متفجرات، ثم تركوه بعدما أوثقوه بشجرة، فأغمي عليه لثلاث ساعات فقد خلالها الوعي حتى عثر عليه.
تعيد هذه الحادثة إلى الأذهان اغتيال الكاتب ناهض حتر خصوصاً مع الإهمال الحكومي في الحماية على رغم التهديدات المتواصلة، وهو ما يؤكد أن المشهد الديني في البلاد يطغى عليه المحافظون الذين يتجهون إلى التشدد، وهم موزعون بين حركات الإسلام السياسي أو الحركات الأصولية ذات الطابع الدعوي والخيري، عدا تلك التي تتبنى العمل الجهادي علناً، ووجهت ضربات إلى أهداف داخل المملكة، أكثرها دموية عام 2016 في الكرك وإربد خصوصاً. وأمس أصدرت «محكمة أمن الدولة» أحكاماً بحق متهمين بإحدى هذه العمليات (الكرك) تراوحت ما بين المؤبد مع الأشغال الشاقة وثلاث سنوات مع تخفيف بعض العقوبات من الإعدام إلى المؤبد، بالتزامن مع قبول عمان رسمياً 131 توصية من توصيات الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان UPR، ومن ضمنها إلغاء الإعدام.
مع ذلك، هناك تباين في الأداء الأردني اتجاه التيارات الدينية، فهو يلعب على تناقضاتها، وقد جاءت سياسة الاحتواء بالإنابة لهذه التيارات وفقاً لمعادلات إقليمية ودولية ترتبط بقرار المملكة غير المستقل. ويأتي الدور الحيوي للمملكة في «حلف مكافحة الإرهاب» بقيادة الولايات المتحدة خارج المملكة وانعكاس هذا الدور على المكانة التي يحظى بها في الموازنات العسكرية الأميركية. ليقابل خطاب عمّان الناعم عن التسامح بين الأديان وعن محاربة التطرف وخطاب الكراهية، والتصدي للمفاهيم المغلوطة حول الإسلام.
لكن الواقع أن الدولة أخفقت داخلياً في محاربة التطرف ووقف تأثير التيارات الدينية، حتى مسّ الأمر رئيس الوزراء، عمر الرزاز، الفاقد بريقَه بعد أدائه الضعيف مع الملفات الاقتصادية، فما كان منه إلا أن حيّد فكرة مجابهة المد الإسلاموي حين أعلن لنواب «كتلة التيار الإسلامي» منذ أشهر أنه ليس علمانياً ولا يريد فصل الدين عن الدولة. كذلك، لم يكن اختياره وزير الثقافة والشباب الحالي، محمد أبو رمان، وهو الباحث في الحركات الإسلامية، إلا محاولة لمعالجة النكوص الذي أصاب المجتمع، خصوصاً أن أبو رمان على علاقة مع مراكز بحثية مهتمة بهذا الموضوع مثل «المركز الأردني لمكافحة التطرف الفكري» المرتبط بالقوات المسلحة، وهو مدعوم من سفارتي اليابان والولايات المتحدة.