لا يزال الساحل الغربي لليمن يشكّل محطّ أطماع الاستعمار الغربي، بوجهَيه البريطاني والأميركي، لما يحتلّه من موقع استراتيجي مطلّ على البحر الأحمر وباب المندب. في أواخر العام الماضي، خرجت إلى العلن معلومات عن تحركات بريطانية حثيثة لاستعادة مكاسب «الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس» في المنطقة الممتدة من بحر العرب إلى خليج عدن مروراً بباب المندب وصولاً إلى البحر الأحمر. أفادت تلك المعلومات بأن بريطانيا تسعى إلى إيجاد قاعدة عسكرية دائمة لها في مدينة عدن تحت لافتة تدريب المجنّدين اليمنيين لـ«القيام بمهمات تأمين خليج عدن وباب المندب والمياه الإقليمية» (عودة الإنكليز: العين على القواعد والجزر ـــ «الأخبار» ـــ 14 تشرين الأول 2017). وإذا كان البريطانيون يجيدون اللعب من خلف الستار، بما يصعّب مهمة كشف أدوارهم التي لا تظهر أقلّ عدوانية من دور الولايات المتحدة، فإن الأميركيين يبدون أكثر انكشافاً.في مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، حطّ في عدن وفد عسكري أميركي رفيع قادماً من جيبوتي، وفقاً لما تفيد به معلومات حصلت عليها «الأخبار». كان الغرض من الزيارة الاجتماع برئيس هيئة الأركان العامة في القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، طاهر العقيلي، وقيادات أخرى من بينهم قائد المنطقة العسكرية الرابعة فضل حسن. تضيف المعلومات أن رئيس الوفد الأميركي استهلّ كلمته بتذكير الحاضرين بمذكّرة تفاهم كان تمّ توقيعها بين السلطات اليمنية وحلف الـ«ناتو»، تسمح بموجبها الأولى للأخير باستخدام المياه الإقليمية اليمنية وما عليها من يابسة، وبخاصة جزيرة ميّون، لمكافحة القرصنة. تمهيد أتبعه المسؤول الأميركي بالإعلان عن مذكرة تفاهم جديدة سيتمّ توقيعها في هذا اللقاء، فحواها قيام الـ«بنتاغون» بدعم «الجيش اليمني»، مقابل «السماح للجيوش الأميركية باستخدام كافة المرافق البحرية والبرية والجوية التي يستخدمها الجيش اليمني، لا سيما مطار سقطرى وموانئها البحرية، وقاعدة العند، وجميع المنشآت العسكرية في جزيرة ميون»، إضافة إلى بقية الموانئ والجزر في الساحل الغربي.
تعمّدت واشنطن تأخير جهود غريفيث بهدف منح معركة الحديدة وقتاً


وتشير المعلومات إلى أنه تمّ، عقب استعراض مضمون المذكرة، التوقيع عليها من الجانبين الأميركي واليمني، لافتة إلى أن العقيلي تحدّث إلى مرافقيه، إثر مغادرة الوفد الأميركي، بأنه لم يكن على علم بفحوى المذكرة، وأنه تلقّى فقط تعليمات من هادي ونائبه علي محسن الأحمر بالتوجّه إلى عدن للقاء مسؤول أميركي، والتوقيع على اتفاقٍ الغرض منه «دعم الجيش اليمني». وأضاف العقيلي، وفقاً للمعلومات نفسها، أنه لم يكن حتى على علم بأن اتفاقاً سابقاً مع الـ«ناتو» تمّ التوقيع عليه عام 2008.
ولم يغفل رئيس الوفد الأميركي، خلال اللقاء، عن معركة الساحل الغربي، مخاطِباً الحاضرين بأنه قبل ساعة من حضوره إلى عدن أُبلِغ بأن الخبراء العسكريين الأميركيين، وبعد تكثيف استطلاعاتهم لمسرح الاشتباكات وعملياتهم الاستخباراتية المركّزة، أدخلوا تعديلات جوهرية على خطّة إسقاط الحديدة، بما يخدم هدف «وضع يد الجيش اليمني على المحافظة، لا سيما المدينة وميناؤها، بأسرع وقت ممكن». وتلفت المعلومات إلى أن السفير الأميركي لدى اليمن، ماثيو تولر، الذي يتولّى التنسيق بين وزارتَي الخارجية والدفاع، كان نصح بتأخير اللقاءات بين «أنصار الله» وحكومة هادي، والتي كان المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، يرتّب لانعقادها، على خلفية اعتقاد الخبراء المندوبين من الـ«بنتاغون» بـ«قرب وحتمية الوصول إلى الحديدة».