القاهرة | مع وصول الانتخابات الطلابية في مصر إلى محطاتها النهائية، بات من المؤكد نجاح أجهزة الأمن في إحكام سيطرتها على الاتحادات الطلابية بصورة كلية، على غرار جميع مفاصل الدولة، سيطرة لم تسمح لأي صاحب صوت مخالف باجتياز حتى المرحلة الأولى من العملية الانتخابية التي كان الفوز بالتزكية عنوان مناصبها الرئيسية، خصوصاً في المراحل الأخيرة من الانتخابات التي سجلت نسبة مشاركة متدنية للغاية. ففي الأيام الماضية، ووفق الجدول الزمني المعلن من وزارة التعليم العالي، لم يسمح للطلاب الراغبين في الترشح بتنفيذ دعايات داخل الكليات بين زملائهم ولا بالتطرق إلى أي أحاديث سياسية داخل الحرم الجامعي، الأمر الذي لم يسمح سوى لأبناء المسؤولين أو الطلاب المتعاونين مع إدارات الجامعات بخوض الانتخابات التي حُسمت بالتزكية حتى في المراحل الأولى منها.وعزف الطلاب المحسوبون على التيارات السياسية، الإسلامية أو المعارضة، عن المشاركة، تجبناً لأي نوع من الاحتكاك الأمني المتوقع، لا سيما أن الأمن وإن لم يظهر مباشرة، فهو الذي دفع طلاباً محددين وفق قوائم معدة سلفاً إلى الترشح ليكونوا هم نواة الاتحاد الذي سيتحدث باسم الطلاب حتى الانتخابات المقبلة. وصحيح أن عملية الترشح لم تشهد معوقات تذكر، لكن الثقة التي تحدث بها «مرشحو الأمن» عن حسم الانتخابات لهم زادت نسبة العزوف، ليس على مستوى الترشح فقط، بل على مستوى المشاركة. وما بين الوعود بامتيازات، والإغراءات بهدايا عينية يتسلمها أعضاء الاتحاد، بدأ رؤساء الجامعات التعامل مع طلبة الاتحاد الجدد. وصحيح أن غالبيتهم كانوا في الاتحادات الماضية، لكن الهدف الرئيسي الذي جرى التوافق عليه هو التركيز على توجيه الطلاب إلى الأنشطة الترفيهية والتثقيفية الداعمة للدولة وللمشروعات القومية التي يجري تنفيذها حالياً، مع وعد بتنظيم حفلات غنائية للطلاب قريباً والاهتمام بالمسرح والفن بعيداً من أي عمل سياسي.
في انتخابات هذا العام، مُنعت الكليات المختلفة من نشر دعايات مكثفة للمرشحين حتى بين الأسر الطلابية، فاللافتات التي كانت تزين الكليات، وصور الطلاب وشعاراتهم وبرامجهم، لم تكن موجودة حتى في كليات الاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام في جامعة القاهرة، مع أنها كليات يفترض أن فيها أوضح صورة الممارسات الديموقراطية، ليأتي الترويج على صورة أوراق محدودة تركز على المزايا الشخصية للطلبة وقدراتهم على التواصل. وبدلاً من أن ترفع شعارات وأهداف يسعون إلى تحقيقها، رُفع مثلاً شعار «المرشح الفرفوش رزق»! هكذا، خرجت الانتخابات بصورة هزلية أكثر من أي وقت لتفرّخ اتحادات لن تستطيع الحديث باسم الطلاب أو التعبير عن مشكلاتهم، خصوصاً أن الأزمة الحالية في الجامعات هي غياب أي ممارسات حقيقة للطلاب في الحياة السياسية أو الاجتماعية، مع احتكار أي تأهيل سياسي حقيقي لدى الأحزاب المدعومة من الدولة أو «البرنامج الرئاسي للشباب» الذي تشرف عليه الاستخبارات.
على المستوى الحكومي، لم يجد وزير التعليم العالي، خالد عبد الغفار، سوى التصريحات الديبلوماسية للحديث عن الانتخابات التي وصفها بمسار ديموقراطي يبعث برسائل كثيرة، مغفلاً أن هذه «الديموقراطية» تشترط الابتعاد عن السياسة، وتعتمد على أهل الثقة لا الكفاءات. لكن رئيس جامعة القاهرة، محمد عثمان الخشت، كان أكثر وضوحاً بتأكيد خروج الجامعة من نطاق الطائفية، مع التشديد على أن الممارسة الحزبية يجب أن تكون خارج الجامعة، لأن «التحزب في الجامعة يؤدي إلى الانشقاق، والجامعة مكان للتطوير والتنوير، والديموقراطية لها مبادئ تنظمها».