اللافت أن الحوثي ربط الإعلان، الذي صدر في وقت متأخر من مساء أمس، بطلب من المبعوث الدولي مارتن غريفيث، مدرجاً إياه في إطار «دعم جهود غريفيث، وإثبات حسن النوايا، وتعزيز التحركات والجهود الرامية إلى إحلال السلام». موقف يشي باستشعار «أنصار الله» بأن تلك التحركات، والتي انطلقت عملياً مع زيارة وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت لكل من الرياض وأبو ظبي، دخلت مرحلة جدية قد تسفر في وقت قريب عن وقف إطلاق النار، وخصوصاً أن الحركة أعلنت مراراً ــــ عقب دعوة وزيرَي دفاع الولايات المتحدة وخارجيتها جيمس ماتيس ومايك بومبيو إلى إنهاء العمليات وإعادة إطلاق المسار التفاوضي ــــ تشكّكها إزاء تلك المبادرات، التي وضعها مسؤولوها في مربع «الخداع والمراوغة» المتواصلَين.
لكن، أمس، ومع البيان الصادر عن الحوثي، تعزّز الانطباع بأن ثمة شيئاً مختلفاً هذه المرة، يُنتظر أن تتواصل مؤشراته اليوم مع تقدّم بريطانيا بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي، من شأنه، إذا ما سلك طريقه إلى التصويت والإقرار، أن يفتح باباً ذا صدقية على إمكانية إنهاء الحرب في هذا البلد، والتوطئة لتسوية سياسية. وهو ما يُفترض أن يتضح أيضاً مع الزيارة المرتقبة الأسبوع الجاري للمبعوث الأممي لصنعاء، والتي تمهّد لعقد جولة تفاوضية جديدة، يُرتقب انطلاقها أواخر الشهر الجاري في السويد، وسط أجواء إيجابية أوحى بها قول غريفيث «(إننا) قريبون من التغلّب على العقبات».
ويُتوقّع أن يلبّي مشروع القرار البريطاني، الذي أعلنت مندوبة بريطانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة كارين بيرس أن بلادها ستتقدّم به إلى المجلس يوم الاثنين، المطالب الخمسة التي طرحها وكيل الأمين العام للمنظمة الدولية للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، في الجلسة التي انعقدت مساء الجمعة الماضي. وتتضمّن تلك المطالب «تنفيذ وقف الأعمال العدائية»، و«حماية الإمدادات الغذائية»، و«دعم الاقتصاد اليمني عن طريق ضخّ العملات الأجنبية ودفع الرواتب والمعاشات»، و«زيادة تمويل المساعدات»، وحثّ «الأطراف المتحاربة على العمل مع المبعوث الأممي». وهي إجراءات يُفترض، في حال إقرارها والبدء بتنفيذها أن تعزّز عملية «بناء الثقة» التي أطلقها وزير الخارجية البريطاني، نظرياً، عقب زيارته السعودية والإمارات، بإعلانه موافقة «التحالف» على السماح بإجلاء 50 جريحاً من «أنصار الله» إلى سلطنة عمان، من دون أن يبرز ــــ إلى الآن ــــ ما يشير الى دخول هذه العملية حيز التنفيذ.
لكن المبعوث الأممي بعث، أول من أمس، برسائل إيجابية بخصوص إجراءات «بناء الثقة»، عندما أكد أن «التحالف» وافق على «ترتيبات لوجستية» لإتمام الإجلاء الطبي، مُعلِناً أن التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى بات قريباً. وهو ما ذهبت إليه أيضاً حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، بحديثها، على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة أحمد بن مبارك، عن أنها شارفت على التوصل إلى اتفاق مع مكتب المبعوث الأممي، حول «مسودة تبادل الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسّفياً والمختفين قسرياً والموضوعين تحت الإقامة الجبرية»، قائلة إنها «قبلت بمقايضة أسير الحرب الحوثي بمعتقل أو مختطف أو محتجز تم اختطافه نتيجة مواقف لا علاقة لها بالحرب».
أكدت الحركة استعدادها لإيقاف العمليات في كل الجبهات
وينبئ هذا الإعلان بأن تحركات غريفيث الأخيرة، المشفوعة بدعوات دولية متزايدة إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، ربما بدأت تؤتي ثمارها، لكن ذلك يُنتظر أن تَثبت صحّته وجدّيته مع زيارة المبعوث الأممي لصنعاء، والتي مهّدت لها مديرة مكتب غريفيث في اليمن، نيكولا ديفيز، بمباحثات جمعتها أمس بوزير خارجية حكومة الإنقاذ هشام شرف. وأكدت ديفيز، خلال المباحثات التي انعقدت في العاصمة، أن مندوب المنظمة الدولية «مستمر في مساعيه الحميدة لكسر الجليد، وبدء عملية المشاورات السياسية في أقرب وقت ممكن، بما يساهم في إعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن»، وفقاً لما نقلته عنها وكالة «سبأ» الرسمية.
وأعلنت «أنصار الله»، من جهتها، ترحيبها بجهود غريفيث، مؤكدة أنها على «أتمّ الاستعداد للحوار في أي لحظة» وفق ما قال لوكالة «فرانس برس» عضو وفد صنعاء التفاوضي حميد عاصم، لكن عاصم جزم في الوقت نفسه «(أننا) مستعدون للقتال حتى آخر رمق من أبناء الشعب اليمني العظيم». وجاءت هذه التصريحات في وقت لا تزال فيه الهدنة سارية على جبهات الحديدة كافة، بحسب ما أفادت به مصادر ميدانية «الأخبار»، لافتة إلى عدم وجود خروقات باستثناء اشتباكات متقطّعة في مديريتَي التحيتا وحيس جنوب المحافظة. وأشارت المصادر نفسها إلى أن غارات «التحالف» تراجعت «بنسبة كبيرة» في محيط المدينة، ولم يُسجّل منها أمس سوى واحدة في منطقة شارع التسعين، إضافة إلى سلسلة غارات استهدفت التحيتا، وخصوصاً منطقة الجبلية.