تتّجه الأنظار، اليوم، إلى مجلس الشيوخ الأميركي، حيث يُفترض أن يخاطب وزيرا الخارجية والدفاع، مايك بومبيو وجيمس ماتيس، المشرّعين، في شأن مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض. خطابٌ لا يُتوقّع أن يخرج عن الإطار الذي وضعه الرئيس دونالد ترامب للتعامل مع قضية الصحافي السعودي المقتول جمال خاشقجي: سواء أكان ولي العهد محمد بن سلمان على علمٍ، أم لم يعلم، وسواء أكان الآمر أم لا، فالأمر سيّان، لن تبادر الإدارة إلى رفع مظلّتها عن ابن سلمان. لكن مظلّة الحماية تلك لا تفتأ معرّضة للمخاطر، في ظلّ ازدياد الأصوات الرافضة لمعادلة ترامب، والداعية إلى سحب البساط من تحت الأمير الشاب. وهي أصوات سيَثبُت مدى قدرتها على التأثير في خلال الأسبوع الجاري، مع اعتزام مجلس الشيوخ التصويت على مشروع قرار لوقف الدعم الأميركي لتحالف العدوان على اليمن.وأعرب السيناتور الجمهوري، بوب كوركور، أمس، عن أمل كبير في أن يتمكّن مجلس الشيوخ من تمرير المشروع، قائلاً إن «لدي فكرة جيدة عمّا يظنّه الناس عن السعودية في الوقت الحالي، ويمكنني القول إن الوضع مختلف جداً جداً» عما كان عليه في آذار/ مارس الماضي، عندما تقدّم السيناتور المستقلّ بيرني ساندرز، والسيناتور الجمهوري مايك لي، بمشروع قانون مستند إلى بند في قانون سلطات الحرب (1973)، يُلزم الإدارة بوقف مشاركتها في حرب اليمن لكونها لم تحصل على تفويض من الكونغرس. لكن «لي ـــ ساندرز» أخفق في الحصول، حينها، على الأغلبية المطلوبة للإقرار، ومع ذلك فقد حاز تأييد 44 صوتاً من أصل 100، الأمر الذي يعني أنه يحتاج تقدماً طفيفاً للحصول على أغلبية بسيطة، وهو ما لا يبدو اليوم مستعصياً. ومن المتوقّع أن يفاقم المشروع المذكور، في حال إقراره، الضغوط على إدارة ترامب، التي يحضر وزيرا خارجيتها ودفاعها إلى مجلس الشيوخ للإدلاء بإفادتهما حول «الاتجاه الذي تتخذه الأمور» على حد تعبير كوركر، الذي كان قد اتهم البيت الأبيض الأسبوع الماضي بأنه أصبح «شركة علاقات عامة لوليّ عهد السعودية».
ومن شأن هذه الضغوط، أيضاً، أن تشوّش على مساعي ابن سلمان إلى ترجمة صكّ البراءة الذي صرفه له ترامب في أسرع وقت ممكن، بما يمهّد لطيّ صفحة اغتيال خاشقجي. وهي مساعٍ يعقّدها كذلك استمرار الاتهامات التركية المبطنة لولي العهد، التي جاء آخرها أمس على لسان وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو. إذ جدّد أوغلو القول إن فريق الاغتيال «لم يتصرّف من تلقاء نفسه»، و«ما كان ليجرؤ على فعل هذا الأمر»، مؤكداً أن «هذه جريمة ارتُكبت عمداً». وكرّر انتقاد بلاده البيان الأخير الصادر عن ترامب في شأن حادثة القنصلية، قائلاً إن «كلمة (ربما) غير كافية بالنسبة إلينا، علينا أن نتأكد»، مضيفاً أن «ثمة أسئلة كثيرة: من هم المتعاونون المحليون؟ أين الجثة؟». وأشار إلى أن «السعوديين يريدون معلومات منا، ولكن هم لا يزودوننا بالمعلومات»، متابعاً بأنهم «أرادوا إرسال صورة تقريبية للمتعاونين المحليين، ولكن لماذا الصور التقريبية؟ هم يعلمون أسماءهم». وعلى رغم ما يحمله حديث أوغلو، وقبله الرئيس رجب طيب أردوغان، من تلميحات إلى تورط ولي العهد السعودي في الجريمة، إلا أن الوزير التركي رأى أنه في «الوقت الحالي لا يوجد ما يدعو إلى عدم مقابلة» ابن سلمان، في إشارة إلى احتمال التقاء الأخير بأردوغان على هامش «قمة العشرين» التي تنعقد أواخر الشهر الجاري.
وإلى جانب اللقاء المحتمل مع أردوغان، ثمة لقاءان مؤكدان منتظران مع الرئيسين الأميركي والروسي، لن يحجبا على ما يبدو موجة الغضب المتصاعد على ابن سلمان على خلفية دوره في اغتيال خاشقجي، وجرائم الحرب المرتكَبة على يد قوّاته في اليمن. جرائم طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أمس، الأرجنتين، باستغلال بند في دستورها (يعترف بالاختصاص العالمي لجرائم الحرب والتعذيب) للتحقيق فيها. وأفادت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، سارة ليا ويتسون، بأن «هيومن رايتس» تقدّمت بطلبها هذا إلى القاضي الاتحادي الأرجنتيني أرييل ليخو، مُسنِدةً إياه بالمعلومات اللازمة، لكن وسائل إعلام أرجنتينية نقلت عن مصادر قضائية استبعادها أن تأخذ السلطات القضية على عاتقها.
وقبيل توجّهه إلى بيونس آيرس، يواصل وليّ العهد السعودي جولته العربية التي قادته أمس إلى تونس، على رغم الاحتجاجات الشعبية الواسعة عليها والمطالِبة بإلغائها. احتجاجات حاولت السلطات تفادي مزيد من الحرج إزاءها، بتخلّيها عن تنظيم مؤتمر صحافي اعتادت إقامته في مثل مناسبات كهذه، واكتفائها بدعوة المصّورين الذين سجّلوا لقطات لابن سلمان، فيما كان الأخير حريصاً على تظهير ارتياحه. ومن تونس، يُفترض أن ينتقل الرجل إلى الجزائر، التي خرجت أمس عن صمتها على الزيارة، مكتفيةً بالقول إنها «زيارة أخوية، ولا علاقة لها بالمعطيات الحالية للسوق النفطي العالمي»، بعدما كانت تعليقات قد ربطت بينها وبين تدهور أسعار النفط، الذي سبّبه قيام السعودية برفع إنتاجها إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.