زاد الصراع حول «الهيئة» مع تصاعد الخلاف بين «نداء تونس» والشا
أما أحدث مستجدات هذا الملف، فقد أُثيرت عقب إزاحة وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، مبروك كرشيد، من حكومة يوسف الشاهد، في التعديل الوزاري الشهر الماضي. خرج الرجل ليقول إن حركة «النهضة» هي من تقف وراء إقالته، بسبب حرصه على حماية أموال الدولة، ورفضه تحملها مصاريف جبر ضرر الضحايا، حين رفض حضور ممثلين لوزارته في «جلسات التحكيم»، التي نظمتها «هيئة الحقيقة والكرامة»، للتوسط بينها وبين متضررين من الدولة. التقطت حركة «نداء تونس» هذا الخيط، لتقرر سحبه إلى آخره، فتقدمت كتلة الحركة في البرلمان، باقتراح ضمن «لجنة المالية»، ينصّ على حذف «صندوق الكرامة»، بحجة أنه يكلف الدولة مئات ملايين الدينارات، وقدمت كتلتا «الائتلاف الوطني» و«الحرة»، المواليتين للحكومة، باقتراح ينص على إيقاف مساهمات الدولة في الصندوق، على امتداد الأعوام الثلاثة المقبلة. وعلى رغم إسقاط المقترحين داخل اللجنة، حيث صوتت كتلتا حركة «النهضة» و«الكتلة الديموقراطية» (من المعارضة) ضدهما، بينما بقيت كتلة «الجبهة الشعبية» على الحياد، قرّر «النداء»، الأربعاء الماضي، رفع قضية طعن في الصندوق إلى المحكمة الإدارية، متعللة بوجود خلل قانوني في نظام تمويله.
ولتوضيح مسألة التمويل، قال وزير المالية، رضا شلغوم، أمس، في إطار جلسة عامة برلمانية، إن «الأرقام التي سمعتها في لجنة المالية، والجلسة العامة، لا تتضمنها موازنة الدولة للعام المقبل»، مضيفاً أن التمويل سبق أن تم ضبطه بأمر حكومي، وشدد على أن «العدالة الانتقالية» ملف «محل إجماع». وقد جاء في الأمر الحكومي الذي ذكره شلغوم، الصادر في شهر شباط/ فبراير من هذا العام، أن موارد «صندوق الكرامة»، تتركب من «نسبة من أموال الراجعة لميزانية الدولة، والمتأتية من القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم والمصالحة»، سيتم ضبطها لاحقاً، و«الهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة» (ويوجد حديث عن أن قطر ستقدم مبلغاً في هذا الإطار)، و«كلّ المصادر الأخرى التي يمكن رصدها للصندوق، طبقاً للتشاريع الجاري بها العمل»، وأخيراً «ترصد اعتمادات من موازنة الدولة عند فتح الصندوق في حدود 10 ملايين دينار» (حوالي 3.7 مليون دولار).
يبدو اليوم، أن «العدالة الانتقالية» تسير بعيداً من غايتها الأولية، أي تحقيق مصالحة مجتمعية شاملة، تبدأ باعتراف المذنبين، واعتذارهم، وتقديم تعويضات (أول هؤلاء هي الدولة نفسها)، لجبر ضرر الضحايا معنوياً ومادياً. صار الجدل أحد مكونات الاستقطاب السياسي، بين شقي السلطة، أي حركتا «نداء تونس» و«النهضة»، في إطار صراعهما المتجدد، إذ يسعى كل منهما إلى حصر المسألة في خيارين لا ثالث لهما، وبالتالي، شطر الرأي العام، ولا يبدو أن هذا الملف في طريقه إلى الحل قريباً، وسيكون، بدرجة كبيرة، رهين نتائج الانتخابات المقبلة، المقررة نهاية عام 2019.