اليوم، أنهت أزمة «حقل الشرارة» أسبوعها الأوّل من دون الوصول إلى حل يعيد الإنتاج لأكبر الحقول النفطية في البلاد، بطاقة تتجاوز 300 ألف برميل يومياً، والذي يقع في مدينة أوباري في الجنوب الغربي. وفي واقع الأمر، امتدت الأزمة إلى «حقل الفيل»، الذي يتجاوز إنتاجه 70 ألف برميل يومياً، وذلك لاعتماده على الكهرباء المولدة من «الشرارة»، كما يوجد تهديد جدي لاستمرار عمل «مصفاة الزاوية» (قرب طرابلس) التي تعتمد على تدفقات النفط الخام من الحقلين، وتنتج الكهرباء للعاصمة وغرب البلاد وتجهزه للتصدير.بدأت أولى خطوات الأزمة يوم السبت، عندما هدّد «حراك غضب فزان»، بوقف الإنتاج في الحقل، ووجد صدى لدى كتيبة تحرس المكان وتنتسب إلى جهاز «حرس المنشآت النفطية». لكن، لم يتوقف الإنتاج فعلاً إلاّ يوم الأحد الماضي، حيث أعلنت «المؤسسة الوطنية للنفط»، في بيان لها، عن «حالة القوّة القاهرة»، وقالت إنّ ذلك جاء لأنّها «تضع سلامة عامليها على رأس أولوياتها». وأضاف بيان المؤسسة أنّها «شرعت في مراجعة الإجراءات اللازمة لإجلائهم» نظراً لوجود «خطر يهدّد سلامتهم... من قبل ميليشيات تدّعي انتماءها لحرس المنشآت النفطيّة». واصل البيان التهجّم على المجموعة الأمنيّة المكلّفة بحماية الحقل والمحتجين، حيث اعتبر أنّهم يقومون بـ«استغلال المطالب المشروعة لأهالي الجنوب- التي تستدعي إجراء حوار وطنيّ- بغية تحقيق مطالب شخصيّة»، معرباً عن تفهّم المؤسسة لقلق وظروف سكان الجنوب، لكنّ «تمّ استخدام مطالبهم المشروعة من قبل مجرمين». لم تبق مؤسسة النفط تندّد وحدها، حيث انضم إليها بعد أيام نائب رئيس المجلس الرئاسيّ لحكومة «الوفاق الوطنيّ» المتركزة في طرابلس، أحمد معيتيق، فوصف، في تصريحات صحافيّة، المسؤولين عن وقف الإنتاج بأنّهم «خونة لوطنهم».
لم تتوقف المؤسسة الوطنية عن تصعيد موقفها متجاوزة السلطة التنفيذية


لكن لم تبق مؤسسة النفط في حدود التهديدات والدعوات الكلاميّة بل اتجهت لحلّ الأزمة ميدانياً، حيث التقى رئيس مجلس الإدارة، مصطفى صنع الله، بنائب رئيس اتحاد بلديّات الجنوب، علي سيدي. خلال الاجتماع، قال الأخير إنّ «جميع مكونات الجنوب تستنكر ما قامت به المجموعة المسلحة»، مضيفاً أنّه «مهما كانت الأسباب والدوافع، لا يقبل أهل الجنوب بهذه التصرفات المشينة».
مع ذلك، لم تتوقف المؤسسة الوطنيّة للنفط عن تصعيد موقفها، متجاوزة السلطة التنفيذيّة نفسها. أمس، أصدرت بياناً حذرت فيه من «أي محاولة لدفع فدية للميليشيات المسلحة» حيث سيمثّل ذلك «سابقة خطيرة تهدد انتعاش الاقتصاد الليبيّ». وشرح صنع الله معنى ذلك، حيث اعتبر أنّ «تقديم أيّ دفعات ماليّة لمرتكبي هذه الممارسات غير القانونيّة سيتسبب في مزيد من المشاكل، وسيشجّع على عمليّات إغلاق أخرى، مما سيشكّل خطراً على حياة عمال القطاع، ويزيد من العنف، ويخلق حالة من الشكّ».
وأحال البيان رسالة بعثتها المؤسسة إلى رئيس حكومة «الوفاق»، فائز السراج، يوم الجمعة، ونُقل فحواها أيضاً إلى رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام، ديوان المحاسبة، وزارة الدفاع، وهيئة الرقابة الإداريّة. وقد جاء في الرسالة أنّ المؤسسة لن ترفع حالة القوّة القاهرة في حال تمّ دفع فدية للميليشيات من قبل وزارة الماليّة، وأنّها تدعو الدولة لـ«تجنّب تكرار الخطأ الذي حدث مع المجرم الجضران»، حيث سبق أن نال الأخير أموالاً بعد سيطرته على موانئ مهمّة في منطقة الهلال النفطيّ وسط البلاد، ما أدى لاحقاً إلى حدوث حرب مدمّرة أفضت إلى خسائر كبرى في البنى التحتية الطاقية.
وبما أن موضوع النفط يتجاوز الرهانات المحلية، لم تتورّع الدول الأجنبيّة عن إبداء رأيها. يوم الجمعة، أصدرت بعثة الاتحاد الأوروبيّ إلى ليبيا، بالاتفاق مع رؤساء بعثات الدول الأعضاء، بياناً أعربت فيه عن «قلقهم العميق إزاء الوضع الأمنيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ الراهن في الجنوب». ويضيف البيان، بعد إدانة قتل المدنيّين الستة، الذين اختطفهم «داعش» قبل شهرين من مدينة الفقها، وتقديم العزاء لعائلاتهم، أنّهم «قلقون بشكل خاصّ مما سيترتب عن الإغلاق القسريّ لحقل الشرارة»، وأكد وجوب انسحاب «من يحتلون المنشآت النفطيّة بشكل غير قانونيّ... وتسليمها إلى المؤسسة الوطنيّة للنفط».
من جهتهم، دافع أنصار «حراك غضب فزان» عن تحركاتهم، حيث ردّ عضو مجلس النواب المتركز شرق البلاد، علي همّة، على تصريح أحمد معيتيق، وقال إنه «من المفترض أن لا يعطينا السيد أحمد معيتيق دروساً في الوطنية». وأضاف قائلاً إن «حكومة الوفاق تصرف الأموال من دون أيّ استراتيجيّة»، لم ينس همّة أيضاً تذكير مدير مؤسسة النفط، بأنّه استقبل عند زيارته إلى «حقل الشرارة» من قبل «الكتيبة 30»، التي صار يتهمها الآن بالإجرام والإرهاب.