ويكشف التدقيق في المقترحات المُعلَنة أمس عنصرين رئيسين: أولهما أنها تأتي لتدعيم الرواية الرسمية القائمة على تبرئة «أعلى الهرم» من واقعة الاغتيال، وإلصاق الأخيرة بـ«كفاءات غير مناسبة» مثلما يوحي به الحديث عن ضرورة «اختيار الكفاءات المناسبة للمهمات». وثانيهما أنها تستهدف مغازلة الخطاب الغربي الداعي إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع تكرار ما حدث في القنصلية السعودية في إسطنبول في الـ2 من تشرين الأول/ أكتوبر. لكن سعي السعودية إلى التخلّص من تبعات اغتيال خاشقجي، وتسكيت الغضب العالمي الذي خلّفته الواقعة، لا يزال يواجَه بضغط تركي ـــ أميركي في اتجاه إبقاء القضية حية، واستثمارها إلى أبعد حدّ ممكن. ولعلّ تلويح تركيا مجدداً، أمس، على لسان وزير خارجيتها مولود تشاويش أوغلو، بـ«إمكانية إجراء تحقيق دولي، أو تشكيل لجنة لتقصي الحقائق» من أجل «المساعدة في كشف الحقيقة، وتقديم جميع الأشخاص المسؤولين للعدالة»، لا ينبئ بأن لدى أنقرة نية لطيّ الصفحة قريباً، خصوصاً أن الضغط ربما بدأ يعود عليها بعوائد سياسية، وفق ما يمكن أن يُقرأ في توقيت إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا.
كرّرت تركيا تلويحها بـ«إمكانية إجراء تحقيق دولي» في مقتل خاشقجي
في المقابل، تجد المملكة نفسها في موقع المتعرّض لعمليات قصقصة وابتزاز وتضييق، من دون أن تكون لديها القدرة سوى على توجيه العتب، كما أظهرت بيانات المؤسسات السعودية تعليقاً على قرار مجلس الشيوخ الأميركي إدانة ابن سلمان بمقتل خاشقجي. قرار يبدو أنه لن يكون الأخير في إطار محاولات الكونغرس فرض نفسه لاعباً رئيساً في مضمار العلاقات مع الرياض، وحمل إدارة الرئيس دونالد ترامب على التخلي عن تمسّكها بولي العهد الحالي. إذ إن مشرّعين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري طرحوا، خلال الساعات الماضية، مسودة تشريع يحمل عنوان «لا أسلحة نووية للسعودية» يشترط موافقة مجلسَي الشيوخ والنواب على أي اتفاق تعاون مع السعودية في مجال الطاقة النووية المدنية. وقال السيناتور الديموقراطي، إدوارد ماركي، الذي كان أحد المتقدّمين بالمسودة، إن «هذا التشريع سيضمن أن تجري مراجعات أساسية لكي لا يصل الأمر بالسعودية إلى أن تستخدم التكنولوجيا أو المواد الأميركية في صنع قنبلة نووية، وأن يكون الرأي الأخير بيد الكونغرس». اللافت أيضاً أن مشروع القانون الجديد يشترط على السعوديين تقديم تفاصيل في شأن مقتل خاشقجي، قبل إعطاء الضوء الأخضر للمضيّ في الاتفاق النووي المحتمل. وعلى رغم أنه من غير المرجّح الموافقة على المشروع الأخير قبل انتهاء ولاية الكونغرس الحالي في كانون الثاني/ يناير المقبل، إلا أنه، شأنه شأن المشروعين السابقَين اللذين أقرّهما مجلس الشيوخ في الـ13 من الشهر الجاري (يدعو أحدهما إلى وقف الدعم الأميركي لـ«التحالف» الذي تقوده السعودية في اليمن، ويحمّل ثانيهما ابن سلمان شخصياً المسؤولية عن حادثة القنصلية)، سيسهم في إبقاء المزاج المناوئ للرياض في مسار تصاعدي، مع ما لذلك من انعكاسات على سمعة المملكة وموقعها ودورها.