للوهلة الأولى يبدو الأمر مقلباً في أحد البرامج الكوميديّة التي تبرع فيها الثقافة المصريّة. لكن للأسف، الخبر صحيح: إن الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد أن تنازل عن حقوق الأمّة لإسرائيل، وكرامة شعبه لنظام الانحطاط العربي، لم يعد يملك ما يبيعه إلا... الأهرامات. ما تشهده مصر اليوم، ويتفرّج عليه العرب مذهولين، ليس إلا جزءاً جديداً من المسلسل التراجيكوميدي إيّاه: «عوّاد باع أرضه». «الريّس» الذي لم يسامحه الشعب بعد، ولن يسامحه التاريخ، على تقديم جزيرتي تيران وصنافير، هديّة إلى «آل سعود» رعاة نظامه الممسكين بقبضة دامية على خناق أهل الجزيرة والشعوب العربيّة، ها هو هذه المرّة «يهدي» الأهرامات إلى القطاع الخاص... وتحديداً إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، صديق إسرائيل، الذي يعتبر أحد كبار داعمي النظام وحلفائه وشركائه. ها نحن نتفرّج على رئيس مصري يتنازل صاغراً عن كنز من تراث البشريّة، ومن مقدرات الشعب المصري، إلى القطاع الخاص الذي سيتولّى إدارته واستثماره. في قلب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الشعب المصري، ونظام سياسي استبدادي يراعي مصالح الطغمة المالية على حساب الشعب، كما يتحالف مع المصالح الاستعماريّة على حساب الوطن والأمة، لم نكن لنتوقّع قراراً أكثر عبثيّة وفجاجة.إضافة إلى قيمتها الرمزيّة والمعنويّة التي تختصر وحدها تاريخ هذا البلد العريق، الضارب عميقاً في الحضارة، فإن الأهرامات هي مصدر استثمار يدر الأرباح على خزينة الدولة. لكن رئيس الجمهوريّة الذي حمله غضب جماهير «الربيع العربي» بعد «30 يونيو» إلى قصر العروبة، تقوم رؤيته الاقتصاديّة «التنموية»، بين إعانات الأنظمة الانحطاطيّة، وفتات البنك الدولي، بين طفيليّة بائسة وليبراليّة متوحّشة، على تفكيك القطاع العام وضربه، وتقديمه على طبق من فضّة لحيتان المال في مصر. ماذا ننتظر من الدولة في ظل الرئيس السيسي، إذا كانت عاجزة عن إدارة قطاع السياحة على الأقل؟ إن الأهرامات التي كانت ولا تزال رمز عظمة مصر وكبرياء شعبها، هي اليوم رمز لسياسة انتحارية بمذاق «الخصخصة» الزاحفة الغالية على قلب صندوق النقد الدولي. سياسة تمعن في إفقار الشعب وتجويعه وجعله تابعاً على كل المستويات، ورميه في أدغال السوق، ورهنه لنير الليبرالية، كما لوصاية الاستعمار الجديد ومصالحه الاستراتيجيّة على حساب المصريين. الصورة التي سيحفظها التاريخ من هذه اللحظة الانحطاطيّة بامتياز، من هذه الصفحة القاتمة في التاريخ المصري والعربي: هي صورة «خليفة عبد الناصر» كما طوّبه بعض السذّج والجهلة والمزوّرين، وهو يفرّط بمقدرات شعبه. عبد الناصر أمّم قناة السويس، أما السيسي فـ«باع» الأهرامات!