تنطلق، غداً الأربعاء، اجتماعات «لجنة تنسيق إعادة الانتشار»، المعنية بتنفيذ اتفاق الحديدة، في ظلّ استمرار الهدنة المعلنة في المحافظة منذ فجر الثلاثاء الماضي. واستبق رئيس اللجنة، الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، انعقاد تلك الاجتماعات بزيارةٍ لميناء الحديدة، يُتوقّع أن تعقبها جولة على خطوط التماس في محيط المدينة. اللافت في زيارة أمس أن ممثلي السلطتين الإدارية والأمنية في المحافظة ومركزها هُم من رافقوا كاميرت وفريقه، فيما ظلّ المسؤولون المعيّنون من قِبَل الحكومة الموالية للرياض خارج المشهد كلياً. مفارقة لا تصبّ إلا في مصلحة تعزيز تفسير «أنصار الله» لفحوى تفاهمات استوكهولم، والتي لا تزال السعودية والإمارات والقوى التابعة لهما تحاول تحويرها إعلامياً، عبر القول إن تنفيذها سيكفل إخراج الحديدة من دائرة سيطرة حكومة الإنقاذ، وهو ما لا يدعمه أي موقف أو معطى عملي.وزار رئيس «لجنة التنسيق» والوفد المرافق له، أمس، ميناء الحديدة، حيث اطلعا على «حجم الأضرار التي خلّفها قصف طيران العدوان لبنيته التحتية، ومستودعات التخزين والصيانة التابعة له»، وفقاً لما ذكرته وكالة «سبأ» الرسمية التابعة لسلطات صنعاء، والتي أشارت أيضاً إلى أن كاميرت ومرافقيه عاينوا كذلك «جانباً من تداعيات الحصار الذي أثر بشكل كبير على الحركة الملاحية والتجارية للميناء». هذه المعاينة يفترض أن تمتدّ، في وقت لاحق، إلى ميناءَي الصليف ورأس عيسى اللذين يُنتظر إعادة تشغيلهما بموجب اتفاق السويد، ولكن ذلك «سيكون في مرحلة ثانية في حال تنفيذ الاتفاق في شقّه المتصل بمدينة الحديدة ومينائها»، وفقاً لما أوضحه نائب رئيس «مؤسسة موانئ البحر الأحمر» يحيى شرف الدين. وأكد شرف الدين، في تصريح إلى «الأخبار»، «وصول فريق الدعم اللوجستي الأممي إلى الحديدة، بهدف الترتيب لانتقال لجنة التفتيش التابعة للمنظمة الدولية من جيبوتي إلى المدينة الساحلية»، لافتاً إلى أن عملية النقل تلك «ستقطع ذرائع دول العدوان في شأن تهريب الأسلحة وغيره». وأشار إلى أن «مؤسسة موانئ البحر الأحمر طلبت من فريق الدعم العمل على فتح ميناء المخا المغلق من قِبَل الاحتلال الإماراتي، وخصوصاً أن القرار الدولي 2451 حثّ على دعم جميع الموانئ الواقعة تحت إدارة المؤسسة من دون استثناء»، مضيفاً إن «الفريق وعد بالنظر في الطلب، في حال تنفيذ الجزء المتصل بموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى». وحذّر من أن «أي إعاقة لدخول السفن من قِبَل تحالف العدوان»، من بعد تنفيذ الاتفاق، «تُعدّ نسفاً» للأخير، و«على الأمم المتحدة تحمّل المسؤولية»، مذكّراً بأن «الاتفاق يحثّ على تسهيل دخول كل السفن التجارية والإغاثية، بما فيها سفن الحاويات»، مشدداً على أن «الاتفاق واضح ولا يقبل أي تفسير» مغاير لظاهره.
هذا الوضوح تعزّز أمس مع زيارة كاميرت لميناء الحديدة، حيث رافقه في جولته الاستطلاعية نائب رئيس هيئة الأركان العامة اللواء علي الموشكي، الذي يرأس فريق ممثلي حكومة الإنقاذ في «لجنة التنسيق»، والقائم بأعمال محافظ الحديدة محمد عايش قحيم، ومسؤولون أمنيون وإداريون آخرون تابعون لسلطات صنعاء، بعدما لم يستطع المحافظ المُعيّن من قِبَل الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، الحسن طاهر، الاجتماع بكاميرت إلا في مدينة عدن (جنوب). مشهد يأتي ليثبّت ما كان قد أعلنه وفد صنعاء التفاوضي، على لسان عبد الملك العجري، من أن «السلطات الإدارية والأمنية الحالية» هي التي ستتولّى إدارة مدينة الحديدة وتأمينها بعد تنفيذ الاتفاق، وأن «الطرف الآخر اقترح أن تتسلّم سلطات عام 2014 الإدارة في المدينة، وهذا ما تم رفضه تماماً من جانبنا».
يحيى شرف الدين لـ«الأخبار»،: أي إعاقة لدخول السفن ستُعدّ نسفاً للاتفاق


مع ذلك، تصرّ الحكومة الموالية للرياض على «تقديم تفسيرات لا تنسجم مع الواقع» وفقاً لتوصيف «أنصار الله»، من دون أن تقدّم دليلاً نصياً أو عملياتياً على صحة تفسيراتها، وهو ما يجعل الأخيرة أقرب إلى محاولة للتغطية على «التراجع القسري» الذي انفضح الامتعاض منه منذ اللحظة الأولى. وهو امتعاض يؤكد أن الفقرة المتصلة بهوية مَن سيتسلّم المدينة بموجب تفاهمات السويد (تقع مسؤولية أمن الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى على عاتق قوات الأمن المحلية وفقاً للقانون اليمني) إنما هي لمصلحة سلطات صنعاء. وفي النص المتقدم تعبير عن إنجاز جلي لـ«أنصار الله»، تسعى السعودية إلى ركسه إعلامياً بالقول إن «ميليشيا الحوثي قدمت تنازلات مهمة في محادثات السلام»، وإن «سلطة الحكومة الشرعية ستعود» إلى مدينة الحديدة، بحسب ما كرّره أمس السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر.
وبعيداً عن «المعركة» التي يخوضها «التحالف» لتظهير «انتصار» غير موجود، تمضي الخطوات التنفيذية لاتفاق الحديدة ــــ إلى الآن ــــ على نحو ما خُطّط لها، مدعومة باستمرار الهدنة التي حافظت على تماسكها لليوم الثامن على التوالي، على رغم استمرار الاتهامات المتبادلة بالانتهاكات. وأعلن المتحدث باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية، يحيى سريع، أمس، «وقوع 17 خرقاً في الوقت الذي كان فيه الفريق الأممي موجوداً في الحديدة»، فيما اتهم المتحدث باسم «التحالف»، «أنصار الله»، بـ«مواصلة اختراق اتفاق السويد»، مدعياً أن «عدد الانتهاكات بلغ حتى الأحد 138».