بدأت «احتجاجات الخبز» في السودان، الداعية إلى إسقاط نظام الرئيس عمر البشير، تأخذ منحىً جديداً مع تصاعد وتيرة العنف ضدها، واستخدام قوات الأمن الرصاص الحي في مواجهة المحتجين. وفيما كان الرئيس عمر البشير يصف المتظاهرين بـ«المندسين»، في ثاني خطاب له منذ اندلاع الاحتجاجات، الأربعاء الماضي، توجه به إلى مؤيديه في ولاية الجزيرة، وسط البلاد، أول من أمس، كانت قوات الأمن تتصدى لأكبر تظاهرة في تاريخ حكومة «الإنقاذ»، خرجت من العاصمة الخرطوم، قاصدة القصر الجمهوري، لتسليم البشير مذكرة تطالبه بالتنحي. أغلقت قوات الأمن كل الشوارع المؤدية إلى القصر، للمرة الثالثة منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات، لكنها قابلت المحتجين، الذي أصروا على المسير، بالرصاص الحي، بحسب مشاهد مصورة، وإفادات مشاركين في التظاهرة، التي دعا إليها «اتحاد المهنيين السودانيين». وفيما أكد المحتجون الذين قُتل منهم ما لا يقلّ عن 37 متظاهراً حتى الآن، حسب تقرير منظمة «العفو» الدولية، مراراً، لجوء النظام إلى العنف المفرط وإطلاق النار، وثقت مقاطع مصورة، التقطتها كاميرات من مبانٍ سكنية، وتداولها ناشطون في موقع «تويتر»، أول من أمس، عنصر أمن سودانياً، وهو يطلق النار على المتظاهرين في وضح النهار.أحد المشاركين في تظاهرة الخرطوم، سيف الدين أحمد، أشار في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن بعض قوات الأمن، كانوا يرتدون أزياء مدنية، قائلاً: «أُصبت بالذهول حينما رأيت أحد منسوبي الأجهزة الأمنية، بلباس مدني، يطلق النار تجاه المتظاهرين»، وهو ما أكده عدد من المصابين بالرصاص الحيّ، أن من أطلقوا النار عليهم كانوا يرتدون أزياءً مدنية. أما ناظم عمر، أحد المشاركين في إسعاف المصابين، فاعتبر في حديث إلى «الأخبار»، أن «إطلاق النار لم يكن بهدف التخويف، بل كان من مكان قريب جداً وبكثافة». وبشأن المعتقلين، أشار عمر إلى أن «عدد الذين أطلق سراحهم بلغ نحو 150، فيما تحفظ جهاز الأمن على جميع المعتقلين الذين لديهم أنشطة سياسية، من دون أن يعطي أية معلومات بشأن مصيرهم».
«لجنة أطباء السودان المركزية»، أكدت أن عدد الذين أصيبوا بطلق ناري في تظاهرة الخرطوم بلغ خمسة أشخاص، اثنان منهم في حالة حرجة، محملة قوات الأمن المسؤولية، فيما يعتقد ناشطون سودانيون، أن منسوبي «الأمن الشعبي» و«أمانة الطلاب» في حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، هم من استهدف المتظاهرين بالرصاص، وذلك بعد أن تعرفوا إليهم من خلال صور التقطت لهم أثناء التظاهرة، مشيرين إلى «الأمن الشعبي»، وهم مجموعة من المسلحين الذين ينتمون إلى حزب «المؤتمر» الحاكم، تلقوا تدريبات عسكرية، ولديهم تنسيق مع الأجهزة الأمنية الرسمية.
سياسياً، رأى «تجمّع المهنيين» النقابي، الذي كان دعا إلى احتجاجات أول من أمس، أن تظاهرة الخرطوم حققت أهدافها المتمثلة في توحيد الكلمة بين جميع القوى. وقال في بيان: «كنا نعمل على تحقيق ما حدث اليوم بكل جدارة وقوة... أن نتوحد جميعاً... قلنا كلمتنا معاً، وعبرنا بصوت عالٍ عن إرادتنا الشعبية الموحدة». أما تحالفا «نداء السودان» و«قوى الإجماع الوطني»، فدعوَا في بيان مشترك، إلى مواصلة الاحتجاجات «ليلاً ونهاراً... وإنهاك النظام، وصولاً إلى إسقاطه كمطلب وحيد، ومن ثم تسليم السلطة لحكومة انتقالية من كفاءات وطنية مدنية معبرة عن كل مكونات السودان».
وبعدما انضم قائد اللواء الثاني مشاة في القضارف، محيي الدين أحمد الهادي، إلى المحتجين، وطمأنهم إلى أنهم تحت حمايته هو وقواته، بخلاف توجه الجيش، الخميس الماضي، وجه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان، الشهير بـ«حميدتي»، أمس، اتهامات مباشرة إلى مسؤولين في الحكومة، بالتسبب في أزمة النقد، وقال مخاطباً قواته غرب السودان: «لا نفهم ماذا يجري في البنوك. لماذا يضع الشخص أمواله ولا يجدها؟». وأضاف: «هناك تلاعب، ولا بد من محاسبة الفاسدين من المسؤولين»، داعياً الحكومة إلى توفير الخدمات للمواطنين، والإيفاء بواجباتها».
التصعيد في خطاب قائد الدعم السريع، يوضح أن العلاقة بينه وبين البشير (القائد الأعلى للقوات المسلحة)، تأخذ منحىً جديداً، ولا سيما أن «حميدتي» أكد أن قواته لن تشارك في قمع المتظاهرين، في رسالة أراد من خلالها طمأنة الشارع السوداني، بعد أن ارتبط اسم قواته بالعنف والهمجية، فيما ذهب مراقبون للاعتقاد، بأن «حميدتي» يرمي بتصريحاته تلك إلى تسويق نفسه في مرحلة ما بعد البشير.