الخرطوم | لم تمنع أرتال من العربات العسكرية والقوات المدججة المتمركزة في مناطق عديدة في العاصمة، أمس، المحتجين من مواصلة التظاهرات الداعية إلى إسقاط نظام الرئيس عمر البشير، على خلفية ارتفاع سعر الخبز وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدل التضخم (70%). العاصمة التي بدت أمس كما لو أنها ثكنة عسكرية، شهدت تظاهرات عدة، انطلقت من المساجد عقب صلاة الجمعة، في ما عُرف بـ«جمعة الشهداء»، وذلك بعد ساعات من اعتقال السلطات تسعة من قادة المعارضة، أثناء اجتماع لهم، من بينهم قيادي في الحزب «الشيوعي»، وقياديون آخرون من حزبي «البعث» و«الناصري».في ولاية الخرطوم، خرجت من المدينة أحياءُ المنشية، وبري المحس، وامتداد ناصر، والرياض، وشمبات، وتوتي. وفي الأول، حيث العديد من مقار البعثات الدبلوماسية والمنظمات الأجنبية، خرج المحتجون من مسجد «سيدة سنهوري»، حيث كان البشير يصلي صلاة الجمعة، بعدما أسمعوه رغبتهم في رحيله من داخل المسجد، منادين «يا بشير ارحل ارحل»، ما اضطر طاقم الحراسة الخاص به إلى إخلائه على وجه السرعة، بحسب ما أظهر مقطع مصور. وبعد خروج المصلين، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. أما في مدينة أم درمان، أحد معاقل زعيم حزب «الأمة» المعارض، الصادق المهدي، فقد خرجت أحياء بيت المال، وأمبده، كما خرج مئات من المصلين (ما بين 300 و400) من مسجد ودنوباوي، في تظاهرة نادت بسقوط النظام، لكن الشرطة، التي طوقت الميدان المحيط بالمسجد قبل الصلاة، بنحو 30 عربة عسكرية، أطلقت الغاز المسيل للدموع على المحتجين، الذين خرجوا من المسجد وهم يهتفون «سلمية، سلمية...».
وفيما دأبت السلطات منذ بدء الاحتجاجات الأربعاء الماضي، عقب قرار الحكومة رفع أسعار الخبز (من جنيه سوداني واحد إلى 3 جنيهات)، على مواجهة المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، والرصاص الحي أخيراً، من دون أن تجد مخرجاً لأي من الأزمات المستفحلة في البلاد، جدَّدت قوى المعارضة دعوتها إلى رفع السقف، مطالبة الشعب بمواصلة الاحتجاجات خلال الأيام المقبلة، بحسب ما ذكر بيان للحزب الشيوعي، بعد اجتماع ضم أحزاب المعارضة.
اتهم البشير دولاً كبرى بمحاولة «ابتزاز» بلاده اقتصادياً وسياسياً


في المقابل، تحاول الحكومة، في الوقت نفسه، التقليل من حجم الانتهاكات التي ارتكبتها بحق المتظاهرين، والتحذير من الاستمرار في الاحتجاجات، إذ أعلنت على لسان المتحدث الرسمي باسمها، وزير الإعلام والاتصالات، بشارة جمعة، أن عدد القتلى بلغ 19 فقط، بينهم اثنان من القوات النظامية، وأن عدد المصابين من القوات النظامية بلغ 187، ومن المواطنين 219، بخلاف الأرقام الذي ذكرتها المنظمات الحقوقية. وانضم أمس الطالب في كلية الآداب، عبد الرحمن الصادق محمد، إلى قائمة قتلى «احتجاجات الخبز»، الذين وصلوا بحسب منظمة «العفو» الدولية، إلى 37 قتيلاً. وكان القتيل قد فقد خلال مشاركته في تظاهرة الثلاثاء الماضي، قبل أن تُبلغ الشرطة ذويه، مساء أمس، بوجود جثته في نهر النيل، غير أن والده فوجئ بوجود آثار ضرب في الرأس والظهر، ودماء خارجة من الأنف والأذن، ما يُشير إلى تعرضه للتعذيب. ووفق مقربين من والد القتيل، رفض الأخير تسلّم جثمان ابنه، قبل إجراء تشريح لمعرفة أسباب الوفاة، لكن إدارة المستشفى الأكاديمي، في ضاحية الامتداد، جنوب الخرطوم، رفضت إعطاء ذوي القتيل تقريراً طبياً عن أسباب الوفاة، إلا بعد مُضيّ أسبوعين، مكتفين بتقرير شفوي. كما منعت السلطات الأمنية أهل المتوفى من غسله في منزله، وأمرتهم بالصلاة عليه في المقابر، حيث تحيطهم قوات الأمن، خشية تجمهر المشيعين بأعداد كبيرة، وتحول الجنازة إلى تظاهرة كبرى، بالتزامن مع إقامة صلاة الجمعة في المساجد الأخرى.
وفي محاولة جديدة للرئيس البشير لإيجاد مخارج للأزمة، اتهم في احتفالٍ في وزارة الدفاع، أول من أمس، دولاً كبرى من دون أن يسميها، بمحاولة ابتزاز الدول العربية والإسلامية وتركيعها، سياسياً واقتصادياً. أما رئيس الوزراء، معتز موسى، فقد أدان في أول ردّ له على الاحتجاجات، في منشور في موقع «فيسبوك»، أدان «عمليات التخريب والتدمير»، متوعداً بأن «القانون سيأخذ مجراه». وفيما بدا الحزب الحاكم، في حالة من التخبّط، بعد أن فرغت جعبته من الحلول، دعا المكتب القيادي إلى اجتماعٍ حمل صفة «أمني ـــ سياسي»، واستمر زهاء خمس ساعات، لكن مخرجاته جاءت مكررة بدعوات للمواطنين إلى التحلي بالصبر والوعي والحفاظ على استقرار البلد، لكنّ الناشطين، ردوا على مواقع التواصل الاجتماعي، في حملة بعنوان «تسقط بس».