في استمرار لاحتجاجات الخبز في السودان، المطالبة بإسقاط نظام الرئيس عمر البشير، على خلفية الأزمة الاقتصادية الخانقة، خرج المئات، أمس، في جمعة «التغيير والحرية»، في تظاهرات في العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان، الواقعة قبالة العاصمة على الضفة الغربية لنهر النيل، تلبية لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين»، الذي انضمت إليه قوى «نداء السودان» و«الإجماع الوطني»، و«التجمع الاتحادي». تظاهرات محدودة، أمس، دشنت دعوات لأسبوع حافل بالتظاهرات، تعتزم قوى المعارضة إطلاقها في الأيام المقبلة، بتنظيم موكب ثالث إلى القصر الجمهوري، الأحد المقبل، لتسليم مذكرة تطالب البشير بالتنحي، قبل التوجه نحو البرلمان في أم درمان، الأربعاء المقبل، لتسليم مذكرة تُطالب برحيل الحكومة الحالية.في الخرطوم، خرجت تظاهرات متفرقة في أحياء الحلفايا، وأركويت، وبيت المال، والكلاكلة، والجريف شرق العاصمة. أما في مدينة أم درمان، معقل طائفة الأنصار، التي يتزعمها رئيس حزب «الأمة» القومي المعارض، الصادق المهدي، فخرج المحتجون عقب أدائهم صلاة الجمعة، في مسجد نوباوي، هاتفين: «حرية سلام وعدالة»، تنديداً باستمرار أزمة انعدام الخبز (ارتفعت أسعاره ثلاثة أضعاف) والوقود والسيولة، وقمع الحريات، ومطالبين برحيل النظام الحاكم.
اعتقلت الأجهزة الأمنية القيادي البارز في «تجمُّع المهنيين» محمد ناجي الأصم


وكما دأبت قوات الأمن منذ انطلاق الاحتجاجات في الـ19 من كانون الأول/ديسمبر الماضي، أطلقت الشرطة، أمس، الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، بعدما انتشرت في الساحات الرئيسية في كل من الخرطوم وأم درمان، في استخدام مفرط للقوة، برره البشير، قبل يوم، خلال حديث لزعماء الطرق الصوفية، في مقر إقامته في الخرطوم، بالقول: «أحياناً نُجبر على استخدام السلاح، ولكننا نستخدمه في أقل درجة ممكنة، وحتى في هذه نحن نستخدمه لوقف قتل المزيد وحفظ الأمن». وفضلاً عن مواجهة الاحتجاجات بالعنف المفرط الذي وصل حد إطلاق الرصاص الحي بوجه المتظاهرين، الذي سقط منهم 37 سودانياً، وفق منظمة «العفو الدولية» (أقرت الداخلية بمقتل 19 منهم)، يواجه نظام البشير، المعارضة السياسية الداعمة للاحتجاجات، عبر عناصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني، التي تعتقل منذ مدة، قادتها والنشطاء والصحافيين، الذين يعبّرون عن آراء مناهضة للنظام، آخرهم، مساء أمس، عضو سكرتارية «تجمع المهنيين»، محمد ناجي الأصم، بحسب ما أعلن التجمع في صفحته الرسمية في «فيسبوك»، محملاً الأجهزة الأمنية مسؤولية سلامته، بعد يوم من اعتقال الصحافي فيصل محمد صالح، الحائز جائزة «بيتر ماكلر» للصحافة الأخلاقية والشجاعة عام 2013، وأحد المدافعين عن حقوق الصحافيين في السودان، بحسب ما أفاد أقرباؤه وكالة «فرانس برس».
يجمع المراقبون على أن الاحتجاجات الدامية تشكّل أكبر تهديد يواجه البشير، منذ توليه السلطة في انقلاب عام 1989. دبلوماسي أوروبي، طلب عدم الكشف عن اسمه، تحدث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، رأى أن «البشير سيكون تحت ضغط دائم»، موضحاً أن «العامل الحاسم سيكون موقف أجهزة الأمن، وخصوصاً الجيش». وأضاف: «إذا استمر القمع بهذه القسوة، فلن يسمح الجيش بذلك، وهذا هو السبب في أن حركة الاحتجاجات الحالية خطيرة (على مستقبل البشير)». من جهته، يوضح الخبير الأميركي في الشؤون السودانية، البروفيسور في جامعة هارفرد، إريك ريفز، أن «هذه التظاهرات والغضب الذي أدى إليها، أقوى من أي تظاهرات أخرى شهدناها في السنوات الأخيرة»، مشيراً إلى أن «ليس هناك شيء يمكن أن يخفف من المشكلة». فبشأن الاقتصاد، الذي يواجه صعوبات، خصوصاً بسبب ارتفاع نسبة التضخّم، والنقص في العملات الأجنبية، رغم رفع الولايات المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017، الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على البلاد منذ عشرين عاماً، يرى ريفز أنه «في حالة انهيار منذ نحو عقد»، وأن «النظام يحافظ على السلطة فقط من خلال ميزانيات وطنية مخصصة بشكل كبير لنفقات الجيش وأجهزة الأمن»، مشيراً إلى أن البشير «يواجه معارضة شعبية مفتوحة ومتزايدة... وكل ذلك يجعل مستقبله غير مؤكد».