الخرطوم | في تطور لافت، تحولت تظاهرة مدينة أم درمان، غربي العاصمة السودانية، أمس، بغية تسليم مذكرة احتجاج تطالب الرئيس عمر البشير بالتنحي، للبرلمان، في مقره في المدينة، إلى اعتصام مفتوح، حتى إسقاط الحكومة، بدعوة من «تجمّع المهنيين السودانيين»، المدعوم من قوى المعارضة السياسية، الذي دعا في بيان، «جميع الثوار في المناطق القريبة (من المدينة)، إلى الاحتشاد في حوش مستشفى السلاح الطبي، لدعم الثوار»، في ما بات يعرف بـ«موكب 9 يناير». أما «الثوار في المناطق البعيدة»، فدعاهم إلى «مواصلة التظاهرات السلمية الليلية، إلى حين زوال النظام»، مشيراً إلى دخول الاحتجاجات مرحلة أخرى تبدو أكثر تصعيداً. القيادية في الحزب «الجمهوري»، أسماء محمود طه، إحدى المشاركات في تظاهرة أمس، أشارت إلى أن احتجاجات أم درمان، كانت «الأكبر منذ بدء الاحتجاجات في البلاد»، في الـ19 من كانون الأول/ديسمبر الماضي. وأوضحت أن التظاهرات «شملت جميع أحياء أم درمان، من بانت، وبيت المال، والمورده، والشهداء والملازمين»، واصفةً المنطقة بـ«ساحة الحرب»، لكثرة استخدام قوات الأمن الرصاص الحيّ بوجه المتظاهرين.ويبدو أن الثناء الذي أغدقه البشير، على أجهزة الشرطة والجيش والأمن، في كلمة ألقاها أمام مؤيديه، خلال تجمع مضاد، شارك فيه المئات في الساحة الخضراء، في الخرطوم، أمس، استجابة لدعوة من أحزاب «الحوار الوطني»، بما فيها «المؤتمر الوطني» الحاكم، تحت مسمى «نفرة السلام والتأييد»، كان بمثابة «ضوء أخضر» لقوات النظام، لتتعامل مع المحتجين من دون أي سقف. بدا ذلك، في جرعة العنف الزائدة بوجه تظاهرة أم درمان، بالتزامن مع كلمته، حيث أطلقت قوات النظام الرصاص الحيّ، إلى جانب الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين. وحاصرت القوات مستشفى أم درمان الحكومي، بشكل كامل، واقتحمت غرف الطوارئ، ما أدى إلى حدوث حالات اختناق وسط الأطباء والمرضى، واعتقلت عدداً من الأطباء، فيما اعتدت على أطباء آخرين ومرضى، مرددةً عبارة «لا نفرّق بين طبيب أو مريض»، حسب ما ذكرت «لجنة أطباء السودان» المركزية، في تقريرها الطبي، الذي أفاد، أمس، عن وفاة مواطنَين، نتيجة الإصابة بطلق ناري في الصدر، فضلاً عن حالات إصابة بطلق ناري أخرى، حالتهم مستقرة.
وحول حشد التأييد للبشير في الخرطوم، حيث رقص الأخير ملوِّحاً بعصاه، أمس، قلَّل القيادي في «المؤتمر الوطني»، حاج ماجد سوار، في منشور في «فيسبوك»، من فعالية التجمّع، مهما كان حجمه، مشيراً إلى أن ذلك لا يزيد الشارع إلا انقساماً، فضلاً عن أنه يزيد من حدة الاحتقان ضد نظام البشير، ويشكل حافزاً للمحتجين، للنزول إلى الشارع بأعداد أكبر، معتبراً أنّ من الأجدر للحكومة وأحزابها أن توفر جهداً ووقتاً لمعالجة أسباب الأزمة، التي دفعت الناس إلى الخروج إلى الشارع، بدلاً من تحديهم والاستعراض أمامهم.
وفيما يخشى البشير انحياز الجيش إلى خيار الشعب، وإطاحته في انقلاب عسكري، عاد أمس، مرة جديدة، إلى تذكير أنصاره بـ«الجهات الخارجية» التي يُتَّهم المحتجون بأنهم يتحركون بناءً على أوامرها، من دون تحديد الجهات، التي يتهمها بالتآمر على السودان من خلال الاحتجاجات التي اندلعت جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة، من أجل «تركيعه»، و«النيل من وحدته واستقراره»، قائلاً: «يوجد تآمر على السودان، وسنظل واقفين وسنموت واقفين». ذلك بعد أن جرب البشير، الذي ألقى خطابه السادس منذ اندلاع احتجاجات الخبز، كل أنواع الخطابات، التي تارةً استخدم فيها التهديد بالقوة، وتارة ابتزّ فيها المحتجين بفزاعة انعدام الأمن و«معسكرات اللجوء»، وتارة أخرى يمنّي شعبه بما وفرته حكومته خلال ثلاثين عاماً من خدمات، رغم الحصار الأميركي المفروض منذ 20 عاماً، الذي تستمر تداعياته إلى اليوم، رغم رفعه في نهاية عهد الرئيس باراك أوباما، عام 2017.
وبعد أكثر من عشرين يوماً على الاحتجاجات، بدأت تتشكل ملامح مواقف الدول من نظام البشير، خصوصاً الخليجية. فبعد أن بدت قطر داعمة له، بتأكيد أميرها تميم بن حمد آل ثاني، خلال اتصال مع البشير بعد ثلاثة أيام على اندلاع الشرارة الأولى، «جاهزيتها لتقديم كل ما هو مطلوب»، أثنى الأخير، أمس، على دعم من وصفها بالدول الصديقة، قائلاً: «هناك أصدقاء يهمهم السودان، ووقفوا معنا، مثل الصين وروسيا والإمارات والكويت وقطر»، من دون أن يذكر الحليف الأبرز السعودية التي يشاركها بآلاف الجنود، في العدوان على اليمن، منذ ما يقارب أربعة أعوام، إذ كان لافتاً عدم إعلان الرياض موقفاً واضحاً من الاحتجاجات، على غرار الدوحة.