في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس، برفقة نظيره المغربي، تحدث وزير الخارجية المصري، سامح شكري، عن شحنتي الأسلحة، اللتين حجزتا غرب ليبيا، في الأسابيع الماضية، وكلاهما قدمتا من تركيا. وقال شكري، إن بلده ترصد «كل المحاولات لزعزعة استقرار ليبيا، والعمل على تزكية مركز الميليشيات والمنظمات المتطرفة». وأشار في هذا السياق إلى رصد وإيقاف «مصر، ودول أوروبية شريكة، شحنات من الأسلحة آتية من تركيا»، مضيفاً أن «أطرافاً أخرى، مثل قطر، تنتهج السياسة نفسها»، داعياً المجتمع الدولي إلى «مواجهة كل من يوفر أي قدر من الدعم لهذه التنظيمات، أو يحاول توظيفها لأغراض سياسية». بعد ساعات، تفاعل مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية، أحمد الرميحي، مع كلام شكري، لينشر على صفحته في «تويتر»، تغريدة قال فيها: «سهل توزيع الاتهامات من نظام فاشل وقمعيّ، وعاجز عن معالجة القضايا الإقليمية والمجاورة له». توقف الرد القطري، حتى الآن، عند هذا المستوى، على لسان مسؤول من الصفوف الخلفية، في حين لم ترد تركيا بشكل واضح. لا يعد الخلاف بين المحورين التركي-القطري، والمصري-الإماراتي، حول الملف الليبي وليد اليوم. في البداية، شاركت قطر والإمارات ضمن «التحالف الدولي» العسكري، لإطاحة نظام معمر القذافي عام 2011، وكانت سياسة قطر أكثر نشاطاً من جارتها، إذ تشير تقارير وشهادات إلى عدم اكتفائها بالتدخل الجوي لحماية المدنيين، وفق تكليف مجلس الأمن، بل تجاوزته إلى إدخال مئات السيارات المسلحة، عبر السودان، وتوفير مستشارين عسكريين لحلفائها من الإسلاميين.ساهمت مصر أيضاً أثناء حكم المجلس العسكري، في إدخال الأسلحة، وتوفير دعم لوجستي للمسلحين في شرق البلاد، وكان من ضمن ذلك، السماح بدخول خليفة حفتر، الذي كان مقيماً بين القاهرة والولايات المتحدة. أما تركيا، فقد ترددت بداية في دعم جهود إسقاط القذافي، نظراً لحيازتها عقوداً مهمة في البلاد، لكنها انحازت إلى صف المسلحين بعد تحصيلهم دعماً دولياً واسعاً. بدأت الخلافات بين كل هؤلاء عام 2014، حيث أطلق خليفة حفتر «عملية الكرامة» في شرق البلاد، بدعم من النظام المصري الجديد، برئاسة عبد الفتاح السيسي، والنظام الإماراتي، متخذاً الإسلاميين عدواً له، سواء كانوا من «القاعدة» و«داعش»، أو من «الإخوان المسلمين»، وقد لقي تأييداً من البرلمان الذي انتخب في ظروف استثنائية، ونقل نشاطه إلى الشرق.
تظهر في المعارك معدات وأسلحة من صنع أو تمويل إماراتي ومصري وقطري


جاء رد الفعل في غرب البلاد، من طريق «عملية فجر ليبيا»، المدعومة قطرياً وتركياً، حيث سيطر تحالف من الميليشيات، على معظم المنطقة الواقعة بين سرت والحدود التونسية، وصولاً إلى سبها في الجنوب الغربي، وقد لقيت تأييداً سياسياً من «المؤتمر الوطني العام»، الذي رفض الانتخابات التشريعية، وتشبث بتمديد عهدته.
في أعقاب ذلك، جرت حملات تصفية في نصفي البلاد، جلبت معها موجة جديدة من الدعم العسكري والسياسي الإقليمي. ومنذ ذلك الحين، تظهر في ساحات المعارك، طائرات ومدرعات وأسلحة وذخائر، وحتى وجبات جاهزة، من صنع أو تمويل إماراتي ومصري وقطري. وعلى رغم التوصل إلى صفقة مصالحة مبدئية، جاءت بضغط دولي واسع، وأدت إلى تشكيل حكومة «وفاق وطني» يشرف عليها مجلس رئاسي يمثل مناطق البلاد، ويرأسه فائز السراج، لم يتغيّر الوضع كثيراً. صار السراج عملياً زعيم غرب البلاد، مع أنه يعمل في محيط هش، تسوده سيطرة الميليشيات، وتركّز موقع حفتر، بصفته زعيم الشرق، وصار يُستضاف في زيارات خارجية، على رغم افتقاد الحكومة التي يتبعها، لاعتراف دولي.
في موازاة ذلك، تشددت سردية كلا المحورين، حيث يُدعم حفتر بصفته صاحب مشروع معاد للإرهاب وباحثاً عن الاستقرار، ويتشبث الفاعلون في غرب البلاد، سواء الميليشيات أو المناطق، وعلى رأسها مدينة مصراتة القوية، برفض ما يعتبرونه مشروع حكم عسكري.
وسط كل ذلك، تقود بعثة الأمم المتحدة، برئاسة غسان سلامة، جهوداً لدفع مسار الحل السياسي، وصلت حتى اليوم، إلى سن قانون للاستفتاء على الدستور، ووضع أسس تنظيم «ملتقى وطني»، من المفترض أن تشهد الأشهر القليلة المقبلة انعقادهما، وتتلوهما انتخابات عامة. لكنّ مصير الانتخابات، أو أي جهود لتوحيد مؤسسات البلاد السياسية، رهين وجود نوع من التهدئة الإقليمية، ترفد التوافق الغربي حول الملف. في هذا السياق، تمثل تصريحات شكري والرميحي، مؤشراً على الخلافات السائدة إقليمياً، والتي تجد صداها في الداخل الليبي، الذي تحول إلى ساحة صراع بالوكالة. المسألة إذن، ليست مرتبطة بالإرهاب، قدر ارتباطها بالخلاف حول طبيعة النظام الليبي المستقبلي، فتنظيما «داعش» و«القاعدة»، والميليشيات التخريبية الأخرى، على غرار مجموعة إبراهيم الجضران، لا تتحرك إلا في الفراغات التي يتركها الغرماء السياسيون.