انصبّ الاهتمام خلال لقاء وزير الداخلية في حكومة «الوفاق الوطني» فتحي باشاغا مع سفيرة فرنسا لدى ليبيا بياتريس دوهيلين، أمس، على الملف الأمني، فيما عبّرت الأخيرة عن استعداد بلادها لتقديم دعم لوجستي، من خلال تدريب قوات أمنية ليبية وتأهيلها. اهتمام يخفي وراءه برنامجاً فرنسياً، تطمح باريس من خلاله إلى استباق إيطاليا، التي تتنافس معها حول إدارة الأوضاع الليبية، عبر البوابة الأمنية. فالحديث عن توحيد المؤسسة الأمنية بدأ الشهر الماضي، بمبادرة بدت ليبية صرفة، خصوصاً أنها جاءت في سياق انتهاء لقاءات توحيد المؤسسة العسكرية، التي رعتها القاهرة بشكل متقطع على امتداد أعوام، إلى طريق مسدود. لكن، ثمة حديث يدور في الكواليس اليوم، يشير إلى أن الأمر كان منذ البداية بتدبير فرنسي، إذ تناقلت وسائل إعلام، أمس، أخباراً عن اجتماع جرى الشهر الماضي على امتداد يومين في تونس، وجمع قيادات أمنية من شرق ليبيا وغربها وجنوب، بتنسيق فرنسي. وأشارت المعلومات إلى أنه جرى الاتفاق على مسودة أولية، تخدم كأرضية لتوحيد القوات الأمنية، إذ تقوم المقاربة على افتراض أن قوات الشرطة لا تمثل تهديداً لسلطتي البلاد، على عكس الجيش، الذي يملك أسلحة متوسطة وثقيلة. وسيمثل توحيدها فرصة لتبادل قواعد البيانات، بما يسهم في تطويق خطر التنظيمات الإرهابية، التي لا تميز بين حكومتي طرابلس وطبرق.في هذا السياق، نشر موقع «أفريكا أنتلجنس»، قبل أيام، مقالاً بعنوان «لماذا تدرب فرنسا قوات أسامة الجويلي؟»، جاء فيه أن آمر المنطقة العسكرية الغربية، ورئيس لجنة فض النزاع التي تشكلت في طرابلس أثناء مهاجمتها من قبل «اللواء السابع»، يلعب بدعم فرنسي دور الوساطة بين رئيس حكومة «الوفاق» فائز السراج، وزعيم «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر. أكثر من ذلك، يقول الموقع المتخصص في الشؤون الأمنية والاستخبارية إن قوات من «قيادة العمليات الخاصة» في الجيش الفرنسي بصدد تدريب مجموعات عسكرية تتبع للجويلي قرب طرابلس. والجويلي ينحدر من مدينة الزنتان، التي انحازت إلى خليفة حفتر عام 2014، وطُردت قواتها نتيجة ذلك من العاصمة على أيدي مجموعات «عملية فجر ليبيا»، وقد شارك الرجل في إطاحة نظام القذافي، وتولى منذ ذلك الحين مسؤوليات مهمة، من بينها ترؤّس وزارة الدفاع. وفيما تشير تسريبات إعلامية إلى أن الملف الأمني الليبي سيكون من بين خمسة مواضيع سيناقشها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، عند زيارته القاهرة في الأيام المقبلة، شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات تصبّ في الاتجاه نفسه. بداية، خرج وزير الداخلية، فتحي باشاغا، عقب هجوم تنظيم «داعش» على وزارة الخارجية، ليلقي باللوم على تأخر تطبيق الترتيبات الأمنية الجديدة، التي اتُفق عليها عقب حرب طرابلس الأخيرة (هجوم «اللواء السابع»). لاحقاً، اتهم باشاغا، في حوار متلفز، الميليشيات الطرابلسية بتعطيلها بروز قوات نظامية لإدارة المشهد الأمني والعسكري، واعتبر أنها ستقاوم كل ما يمس مصالحها، منهياً حديثه بالتعهد بمقاومتها.
لم يمض وقت طويل حتى خرج النائب العام في طرابلس، بداية هذا الشهر، ليعلن قائمة مطلوبين تحمل 30 اسماً، من بينهم القائد السابق لجهاز «حرس المنشآت النفطية»، الذي هاجم موانئ النفط عدة مرات في الأعوام الماضية، إبراهيم الجضران، ورجل الأعمال ورئيس «حزب الوطن» الإسلامي عبد الحكيم بلحاج. هذان الاسمان، وعلى غرار بقية من في القائمة، هما عدوان لحفتر، وقد قُرئ الأمر كرسالة تهدئة سياسية مع رجل شرق ليبيا القوي، في إطار مخطط التهدئة والتوحيد. علاوة على ذلك، أعلن المبعوث الأممي الخاص، غسان سلامة، في سياق زيارته جنوب البلاد، أمس، أنه تم الانتهاء «من وضع الترتيبات الأمنية في العاصمة طرابلس، وهي ترتيبات تختلف جوهرياً عن تلك الموجودة سابقاً». وأضاف متوجّهاً إلى أعيان وأكاديميين من المنطقة: «سترون نتائج هذه الترتيبات الأسبوع المقبل، سواء بالنسبة إلى الأشخاص المسؤولين عن الأمن، أو بالنسبة إلى حماية العاصمة نفسها».