بغداد | بعد استقالته من البرلمان، يدور حديث عن إمكانية تسلّم عبد الحسين عبطان، المحسوب على «الحكمة»، أمانة بغداد، مقابل تراجع «الإصلاح» عن رفضه إمرار فالح الفياض وزيراً للداخلية، وهي صفقة محتملة يبدو أن رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، يدفع في اتجاهها من أجل الخروج من المأزق الحكومي، فيما قد لا يمانع «الحكمة» المضيّ فيها، في ظلّ خشيته من أزمة مالية تتهدّد مؤسساته.جدل واسع رافق استقالة النائب عن «تيار الحكمة» عبد الحسين عبطان، خصوصاً أن الرجل سارع في أعقاب خطوته تلك إلى التلميح إلى إمكانية إسناد منصب أمين بغداد إليه، قائلاً: «إننا مستعدون لتحمّل تلك المسؤولية». ومن غير الخافي أن «الحكمة»، التيار السياسي الذي ينتمي إليه عبطان، يسعى إلى الحصول على هذا المنصب. وهو ما أكده مدير مكتب عمار الحكيم، صلاح العرباوي، بالقول إن «طارح الفكرة، عليه أن يكون وفياً لها، ونحن من طرح فكرة انتخاب الأمين... ونحن أوفياء للفكرة، فإن كان تطبيقها ممكناً، فليتنافس فيها المتنافسون، ولينتخب البغداديون من يمثلهم، وإن كان الانتخاب غير ممكن، فلا بد من اختيار الأكفاء الميدانيين».
من جهته، يسعى رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، إلى توظيف الجدل الدائر حول عبطان، لمصلحة استكمال التشكيلة الحكومية التي لا تزال عالقة عند رفض «الإصلاح» توزير فالح الفياض، وتمسّك عبد المهدي و«البناء» بترشيحه. وفي هذا الإطار، تفيد مصادر سياسية مطلعة «الأخبار» بأن رئيس الوزراء سيحاول مقايضة «الإصلاح» بتنصيب عبطان أميناً لبغداد، مقابل تصويت الكتل النيابية المنضوية في التحالف المذكور لمصلحة الفياض كوزير للداخلية. وتصف المصادر هذه «المساومة» بـ«الصعبة» على «الإصلاح»؛ إذ إنها تعني «التنازل عن الهجمة التي شُنّت على الفياض، بوصفه مجرّباً وغير كفوء وحزبياً...».
وفي السياق نفسه، يرى رئيس «المركز العراقي للتفكير السياسي»، إحسان الشمري، أن مضي عبد المهدي في عقد «صفقات» مماثلة مع الكتل السياسية «سيعكس صورة سلبية عنه في الشارع العراقي»، مشيراً إلى أن «تنصيب عبطان أميناً للعاصمة أمر وارد جداً، خاصةً مع بدء حراك سياسي لهيكلة الكثير من المناصب الحكومية». ويضيف الشمري في حديثه إلى «الأخبار» أن «تحالف الإصلاح قد يرفض هذه الصفقة، لرفضه الصارم للفياض»، غير أن «الحكمة» قد يبدي تنازلات في هذا الخصوص، «ما يهدد مصير الإصلاح، ويفتح الباب على إمكانية تفكيكه، إذا أصرّ الحكيم على عبطان وأصرّ الصدر على رفض الفياض».

بغداد لـ«البغداديين»
عبطان، ابن مدينة النجف الجنوبية، حاز 34 ألف صوت عن العاصمة بغداد، في الانتخابات التشريعية التي أجريت في أيار/ مايو الماضي. نتيجة «مرضية» استثمر الرجل في العمل عليها مجموعة قرارات اتخذها إبّان تسنّمه وزارة الشباب والرياضة في الحكومة السابقة برئاسة العبادي (2014 ــــ 2018)، كافتتاح ملاعب عدة، ورفع الحظر عن ملاعب البصرة وكربلاء. لكن ذلك لم يَحُل دون مطالبة البغداديين وسكان العاصمة عبر شبكات التواصل الاجتماعي بأن يكون «عمدة» مدينتهم من المدينة عينها، متسائلين عن سبب تنصيب أمين للعاصمة من خارجها.
أما أعضاء مجلس محافظة بغداد، فعبّر عن موقفهم سعد المطلبي، بالقول إن «أغلب أعضاء مجلس محافظة بغداد لديهم تنسيق عالي المستوى مع كتلة بغداد النيابية، من أجل إبعاد منصب أمين بغداد عن المحاصصة السياسية»، لافتاً في تصريحات صحافية إلى أن «الاجتماع المشترك بين نواب الكتلة والمجلس أكد ضرورة إسناد المنصب إلى شخصية بغدادية، على أن يكون مهندساً معمارياً ويفهم خصوصية بغداد لكونها عاصمة تعددية تختلف عن باقي المحافظات التي لها لون واحد».
بلغت موازنة أمانة بغداد لعام 2019 نحو ملياري دولار


وإذا كان الدستور العراقي يدعم حق عبطان في تولّي هذا المنصب، إذ ينصّ على أن «للمواطنين رجالاً ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح»، فإن الخبير السياسي، صالح الحمداني، يفسّر هذا «الامتعاض» بـ«شعور البغدادي الدائم بأن المهاجرين إلى مدينته هم من سيسيطرون عليها، وعلى ثقافتها»، مشيراً إلى أن ذلك قد تحقّق فعلاً، فـ«حق البغدادي في حكم مدينته ـــــ أسوةً بباقي المحافظات ـــــ قد سُلب منه، وأُعطي للمتحدرين من محافظات جنوبية». ويتابع الحمداني في حديثه إلى «الأخبار»، قائلاً إن «الوضع قد تفاقم أكثر، ويُراد لمنصب أمين بغداد أن يُمنح لشخص لا يسكن في العاصمة، ولا يملك ثقافتها، ما يُشعر البغدادي بأن شخصيته وثقافته يُراد لها أن تُمسح بسبب طمع الأحزاب النافذة بميزانية أمانة بغداد الكبيرة، وبمناصبها العديدة»، لافتاً إلى أن «الحجج التي تساق عن باكستانية عمدة لندن، أو عراقية مدير بلدية فيينا، هي بالنسبة إلى البغدادي مجرّد قطع من الحلوى لإقناعه بالتخلي عن حقه في إدارة عاصمته العريقه».

عبطان منقذ الحكيم
استماتة «الحكمة» في الحصول على منصب أمين بغداد تأتي إثر أربع هزّات تعرّض لها التيار خلال الأشهر الماضية. إذ شكّل خروج محافظ البصرة السابق، أسعد العيداني، من عباءة «الحكمة» إلى تحالف حيدر العبادي أولى تلك الهزّات. وعلى رغم محاولات التيار لإقالة العيداني أخيراً عبر تشكيل تحالفات داخل مجلس البصرة، إلا أنه لم يتمكن من إقالته، ما أظهر ضعف «الحكمة» في المحافظة التي كانت تُحسَب عليه. أما في بغداد، فتعرّض «الحكمة» لـ«خضّة» إثر تنصيب محافظ مقرب من «دولة القانون»، وإقالة فاضل الشويلي الذي رشّحه «التيار الصدري» و«الحكمة»، ما مثّل صدمة ثالثة للتيار الناشئ، فيما جاءت الأزمة الأخيرة مع «عصائب أهل الحق» (الرافضة تنصيب عبطان)، وما رافقها من جدل حول العقارات التي يشغلها «الحكمة» في «المنطقة الخضراء» وسط بغداد، وشبهات الفساد في شركة «سومو» (شركة تسويق النفط) التي يديرها مقربون من «الحكمة»، لتشكّل آخر فصول تلك «الخسائر»، التي يضاف إليها أيضاً حصول التيار على حصة متواضعة في حكومة عبد المهدي، بعدما سعى إلى الحصول على أكثر من منصب وزاري.
إزاء ذلك، يكشف مصدر من داخل التيار لـ«الأخبار» أن «الحكمة» يتوجّس من أزمة مالية قد تؤثر بسير أعماله في المستقبل، خاصة في المجال الإعلامي في ظلّ تمويل واسع تحظى به مشروعات كـ«قناة الفرات الفضائية»، ما يعني أن ثمة حاجة إلى مصادر تمويل جديدة «قد تكون أمانة العاصمة بغداد إحداها في المرحلة المقبلة». والجدير ذكره هنا أن موازنة أمانة بغداد المالية بلغت أخيراً نحو ملياري دولار، بعدما رُفعت أجور الجباية بنحو لافت مع بدء العام الجاري. وهو رقم يجيز الاعتقاد بأن المنصب سيكون بمثابة «غنيمة» لِمَن يظفر به، خصوصاً بالنظر إلى التجارب السابقة التي رافقها الكثير من شبهات الفساد، في وقت ظلّت فيه بغداد تعيش وضعاً مأساوياً على المستوى الخدمي.



انتقال «أمن كركوك» إلى «الفرقة الخاصة»


حتى ساعات الفجر الأولى بالتوقيت المحلي، عجز البرلمان العراقي عن إمرار المرشحَين لحقيبتَي التربية والعدل، ما رجّح احتمال تأجيل التصويت إلى الجلسة المرتقبة قبيل نهاية الأسبوع الجاري. وجاء ذلك على رغم إعلان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، أول من أمس، أن جلسة الأربعاء ستشهد تصويتاً على الموازنة العامة لعام 2019، والتصويت على مرشحة حقيبة التربية سفانة الحمداني، ومرشح حقيبة العدل أركان قادر ولي بيباني.
على خطّ مواز، كلّف عبد المهدي، قوات تابعة لـ«الفرقة الخاصة» بتولّي الملف الأمني في محافظة كركوك، بدلاً من «قوات مكافحة الإرهاب»، وفق بيان صادر عن وزارة الدفاع أمس. و«الفرقة الخاصة» قوة قتالية تابعة للوزارة، لكنها مرتبطة مباشرة برئاسة الوزراء، وقد شاركت في معارك ضد تنظيم «داعش»، وتُعنى بحماية «المنطقة الخضراء» وسط العاصمة العراقية بغداد، حيث مقارّ الحكومة والبرلمان والبعثات الأجنبية.