لعلها نظرية الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الرجل الذي استخدم الدولة طرفاً في النزاع، وحوّلها إلى نفوذ وقوة تحميه هو شخصياً، أمام نفوذ قوى سياسية أخرى. فبدلاً من أن تُضعف الدولة المركزية بقية الأطراف، تحولت هي إلى طرف ضمن بقية الأطراف، تُسهم من مكانها في تقوية بعضها، أو إضعاف بعضها، في لعبة التوازنات هذه. فكانت الدولة هي قبيلة علي عبد الله صالح وحزبه، مقابل التيارات والقوى الأخرى.
لعل صالح لجأ إلى هذه الطريقة في الحكم، لأنه لم يكن يضمن عدم الانقلاب عليه من أي طرف، وحتى لا يتحول إلى مجرد تابع للطرف الأقوى، وخا صة أنه لا ينتمي إلى طرف أو جماعة سياسية قوية. وخلال فترة حكمه، أُضعفت مركزية الدولة أمام أطراف الصراع المتعددة.
وكانت أطراف اللعبة تتغير كل مرة، مع دخول عناصر جديدة، أو ضعف بعض الأطراف، إلا أن لعبة التوازن ظلّت على حالها، تضمن عدم وجود عناصر بعينها هي المسيطرة.
وحين ظهرت حركة الحوثيين نهاية التسعينيات، كانت تشي بولادة طرف جديد في توازن الرعب، ومع نهاية عام 2013، كانت قد رسّخت موقعها.
ضياع الدولة كطرف في الصراع من يد صالح بعد 2011، جعله يحاول الحفاظ على ما بقي من تأثير وظهور، لكن هذا لم ينفِ أنه صار الطرف الأضعف. وهذا يعني الكثير في اليمن الذي يعيد رسم خريطة التشكل لموازين القوى، فلا يكون هو الخصم الرئيسي للجماعات الأقوى، لكنه يؤدي دور الداعم لأي طرف يناهض خصومه الأساسيين.
إن إعادة التموضع تفرض فرز قوىً جديد، يبقى ظهور قوّتها وتأثيرها في مجريات الحياة السياسية، مرهوناً بمدى قوة الأطراف الأخرى.
لذا، بدأ هناك صراع دراماتيكي بين أقوى طرفين: آل الأحمر ومن خلفهم حاشد، وحزب الإصلاح، وميليشيات الحوثي. وخلال سلسلة المعارك اتّضح أن ميليشيا الحوثي تتمتع بقدر أكبر من التماسك، وفرض قواعد الاشتباك بالطريقة المرضية لها. لكن ماذا عن سقوط آل الأحمر ومن خلفهم الحلفاء السياسيون والعسكريون والقبليون؟ هل يعني تسليم اليمن لحلبة صراع غير متكافئة؟ وما هي خطورة وجود ميليشيا دينية تنفرد بحكم إقليم واسع في الشمال، وتثبت وجودها العسكري بالقوة؟
إن ضعف مركزية الدولة يتأكد بما يثبت لبقية الأطراف أنها قادرة على تثبيت مواقعها، لكن الدولة التي كانت تُدار بطريقة الرئيس صالح، فقدت مع سقوطه جزءاً من طريقتها في إدارة الصراع؛ فبرغم أن الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، لا يُمثّل أي طرف، ويعطي بذلك انطباعاً بأنه رئيس للجميع. إلا أنه في لعبة التوازانات يُخرِج الدولة وُيضعِف دورها كطرف في الصراع، بعد أن أضعفها سلفه ككيان مركزي وقوي.
فهادي لا يتمتع بالنفوذ القبلي والاجتماعي، في منطقة الصراع المُلتهبة، لذا نرى الدولة ساكنة لا تستطيع إلا القيام بدور الوسيط. لكن متى يدخل هذا الوسيط ومن الذي يدير الدولة؟
لا يمكن أن تشن حرب «تكسير العظام» من دون موافقة الأطراف التي تتبنى العملية الانتقالية في اليمن؛ فعملية الانتقال، بما تعنيه من إعادة تموضع، تقويّ أطرافاً على حساب أطراف أخرى. ويبدو واضحاً أن ثمة قراراً اتُّخذ بإضعاف جماعة بعينها، ضمنت دعماً اجتماعياً، وبيئة حاضنة لجماعة سياسية، هي جماعة الإخوان المسلمين.
بلغة مباشرة أكثر، تبدو السعودية قد أعطت إشارة البدء، لتدشين مشروع إضعاف الإخوان المسلمين في اليمن، من دون أن يعني هذا إنهاء وجودهم السياسي؛ فوجودهم إلى جانب كيان قبلي ضعيف، أو عسكري مهزوم، يعني إضعافاً لدورهم السياسي وتأثيرهم، وذلك إكمالاً لمشروع السعودية المناهض للإخوان.
ويعرف المُطّلع على الخريطة السياسية في اليمن أن القبيلة (حاشد) ظلت هي الحضن السياسي والحاضن الاجتماعي لهم، بما يعني أن شن الحرب عليهم، يخفف من تأثيرهم، لكن إضعاف القبيلة القوية يؤثر في «توازن الرعب» في اليمن.
لايمكن الجزم بأن هناك ارتباطاً بين الحوثيين والسعودية، لكن ما تقوم به الميليشيا الدينية (أنصار الله) يتوافق مع متطلبات المرحلة إقليمياً، وانعكاس هذا على الصعيد المحلي لن يكون في مصلحة ميزان القوى، التي حكمت اليمن بطريقة تمنع انزلاقه إلى عنف عشوائي.
وساطة الدولة التي تتدخل الآن تضمن بقاء جزء من هذا التوازن، ببقاء الطرف المهزوم، من دون اندحار كامل، أي بقائه ضعيفاً وأقل قدرة على ما كان عليه، فيما يضمن أن تظهر قوة ونفوذ الطرف الجديد (الحوثي) تحت السيطرة، من دون إعلان هزيمة أو نصر، فليس في مصلحة اليمن وجود طرف واحد يحرّك الأمور.

فتش عن السعودية

السؤال: هل تقبل السعودية نفوذ الحوثي الجديد؟ وهل يأتي الوقت للتفكير بالتخلص منه؟ واضح أن الوقت الآن غير مناسب لذلك على المدى المنظور، فهناك ثقل إقليمي يمثله الحوثي بنحو أو بآخر، في لعبة توازن أكبر هي لعبة التوازن الإقليمي.
وقبل كل هذا، أثبتت السعودية فشلها في مواجهة الحوثي عسكرياً، ولعلها بالسماح بتأجيج الصراع في اليمن، ترمي إلى ما هو أبعد وأخبث مما ينظر إليه حالياً، فهي بذلك تضمن أن ينشغل الحوثي بحروبه الصغيرة ضد السلفيين والقبائل اليمنية، ما يضمن لها عدم توجيه أي سهام في اتجاهها.
ومن جهة أخرى، إن طول فترة القتال لجماعة الحوثي، يعني إنهاك الميليشيا الشابة، وكثرة الضغوط السياسية عليها، سترغمها على تقديم تنازلات، بما يضمن للسعودية أن تبقى هي المؤثّر رقم واحد، في مجريات الأمور في اليمن، بإضعاف كل مراكز القوى المحلية.




مسلحون يهاجمون الجيش

أعلن مصدر عسكري يمني مقتل أربعة جنود أمس في كمين نصبه مسلحون واستهدف مركبة عسكرية بالقرب من منشأة بلحاف الغازية الاستراتيجية في محافظة شبوة الجنوبية، فيما أصيب خمسة أشخاص، بينهم جندي في الجيش، في هجوم شنه مسلحون تابعون للحراك الجنوبي على ثلاثة مواقع عسكرية في مدينة الضالع الجنوبية أيضاً.
وقال المصدر إن «مسلحين اعترضوا مركبة عسكرية كانت في طريقها إلى نقطة تفتيش للجيش بالقرب من ميناء بلحاف في محافظة شبوة، وأطلقوا النيران على المركبة مستخدمين الأسلحة الرشاشة»، مضيفاً أن «ذلك أدى إلى مقتل أربعة جنود وجرح ثلاثة آخرين». من جهة أخرى، قال شهود إن مواجهات بين مسلحين وقوات الجيش في أماكن متفرقة شمال مدينة الضالع أدت إلى إصابة جندي برصاص المسلحين وإصابة أربعة مدنيين صودف وجودهم في مكان الاشتباكات في منطقة سناح قرب المجمع الحكومي لمدينة الضالع.
ويطالب الحراك الجنوبي، الذي نشأ في جنوب اليمن مطلع 2007، بانفصال الجنوب عن الشمال، متهماً الحكومات المتعاقبة بتهميش الجنوب ونهب ثرواته، وهو ما تنفيه صنعاء.
(الأناضول)