القاهرة | دسترة الانقلابات العسكرية، والسيطرة على القضاء، أقلّ ما يمكن استشرافه من القراءة الأولية للتعديلات الدستورية التي تخضع لـ«النقاش» في مصر حالياً. إذ يواصل مجلس النواب مناقشتها اليوم (الثلاثاء) في جلسة عامة، تمهيداً للانتهاء منها خلال 60 يوماً، ثم عرضها على الاستفتاء الشعبي قبل نهاية نيسان/ أبريل المقبل، لتدخل بعدها حيّز التنفيذ فوراً. إذن، ليس الخطير تعديل الولاية الرئاسية لتكون ست سنوات، والسماح للرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، بإعادة الترشح مجدداً لانتخابات 2022 ليصبح رئيساً حتى 2034 فحسب (راجع عدد الأمس)، بل التمهيد لدور أكبر للجيش على نحو يجعل وزير الدفاع رقيباً على الرئيس، فضلاً عن تحصين الجيش في مواجهة أي صعود للتيار المدني إلى السلطة خلال العقود المقبلة.أبرز التعديلات المقترحة ترسيخُ القاعدة الاستثنائية التي نصّ عليها دستور 2014، وتضمنت موافقة «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» على تعيين وزير الدفاع، مع إضافة تعريف للقوات المسلحة في المادة 200 يتضمن أن تكون «مُلكاً للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وصون الدستور والديموقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد... والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات».
هذا النص يخوّل العسكر التدخل في المسار الديموقراطي تحت «عبارات فضفاضة»، تجعل أي تحركات لوزير الدفاع ضد السلطة المنتخبة إجراءً طبيعياً، الأمر الذي يرسّخ استمرار الجيش في الحكم وامتلاكه حق «الفيتو» على أي قرار لا يراه قادته متوافقاً مع الدستور وحقوق الأفراد والدولة وحرياتهم. ومن جهة أخرى، ارتبط توسيع اختصاص القوات المسلحة بتوسيع اختصاص القضاء العسكري في التعامل مع المدنيين، وذلك في المادة 204، عبر حذف تركيب «الاعتداء المباشر»، الأمر الذي يجعل أي اعتداء تحت طائلة تحويل المتهم به إلى القضاء العسكري، بوصفه جريمة في مواجهة منشأة عسكرية أو ما في حكمها.
اللافت أن التعديلات الواسعة في سلطات العسكر تأتي بعد أيام من صدور حكم القضاء العسكري بسجن الفريق سامي عنان عشر سنوات، وذلك بعد نحو عام من القبض عليه وتوقيفه على خلفية إعلان اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية، على أساس أنه ترشح وهو ضمن استدعاء الاحتياط، وذلك استناداً إلى قانون استثنائي صدر في 2011. وأمام الصلاحيات الواسعة للجيش، تقيّد التعديلات المطروحة استقلال القضاء ليصير شكلياً، جراء الصلاحيات الواسعة للرئيس، والتي ستنسف استقلال الهيئات القضائية المختلفة، خاصة «المحكمة الدستورية» التي ستُخترق أمنياً كما كان إبّان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهو أمر ـــ إذا ما حصل ـــ سينهي الاستقلال النسبي الذي تمتعت به في السنوات الماضية.
ومن التعديلات على نظام «الدستورية العليا» إلغاء انتخاب رئيس المحكمة عبر «الجمعية العامة» للمحكمة، المعمول به منذ 2012. إذ يصير لرئيس الجمهورية الحق في اختيار رئيس المحكمة من بين أقدم خمسة أعضاء فيها، مع إلغاء نظام تعيين أعضاء «الدستورية» الجدد باختيار «الجمعية العامة»، ليكون للرئيس الحق في اختيار العضو الجديد من بين اثنين يرشح أحدهما رئيس المحكمة، وترشح الآخر «الجمعية العامة»، وهو ما يفتح باباً من الانتماءات لا ينتهي بين قضاة المحكمة على نحو يقسمها إلى فريقين.
أيضاً، تتضمن التعديلات التغيير في نظام تعيين رئيس «هيئة مفوضي الدستورية» وأعضائها، ليصير ذلك بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح رئيس المحكمة، لكن بعد أخذ رأي «الجمعية العامة». إلى جانب ذلك، سيتغير نظام تعيين رؤساء جميع الجهات والهيئات القضائية، الأمر الذي يجعل نصّ اختيار الرئيس لرؤساء الهيئات القضائية، الذي صدر قبل عامين، دستورياً تماماً، ويصير ذلك من حقه، على أن يختار خمسة أعضاء ترشحهم المجالس العليا للهيئات من بين أقدم سبعة، وتكون مدة كل رئيس هيئة أربع سنوات لمرة واحدة فقط. هذه التعديلات ليست في الصلاحيات وآلية اختيار الرؤساء فقط، بل تطاول الاستقلالية الرسمية والمالية، إذ إنها تنص على إنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية برئاسة رئيس الجمهورية (ينوب عنه وزير العدل) يقوم على الشؤون المشتركة للقضاء، مع حذف استقلالية موازنة كل هيئة.
أما النائب العام، فتقرّر تعديل اختياره ليكون بقرار من رئيس الدولة أيضاً، من بين ثلاثة قضاة يرشحهم «مجلس القضاء الأعلى» من نواب رئيس «محكمة النقض» ورؤساء الاستئناف والنواب العموم المساعدين، ويكون تعيينه لأربع سنوات، أو لبلوغه التقاعد (أيهما أقرب)، علماً بأن اختياره كان يخضع لـ«مجلس القضاء الأعلى» في الدستور الحالي.
من جهة أخرى، تفيد مصادر اطلعت على التعديلات بأن «مجلس الدولة» هو الهيئة القضائية الثانية التي يُقلَّص دورها، خاصة بعد الأحكام التي أصدرها في قضايا ضد الدولة، في مقدمتها مصرية جزيرتَي تيران وصنافير. وهنا، سيُلغى اختصاص المجلس في المراجعة «الإلزامية» لجميع مشروعات القوانين قبل إصدارها، على أن يختص حصراً بمراجعة مشروعات القوانين التي تحال عليه، وبهذا يصير العرض عليه جوازياً، كذلك لن يكون وحده الجهة القانونية التي تتولى الإفتاء في المسائل التي تواجه جهات الإدارة، إضافة إلى إبعاده عن مراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة، أو إحدى الهيئات العامة، طرفاً فيها.