منذ إعلان دونالد ترامب قرار انسحاب جيشه من سوريا، تحاول مؤسسات أميركية نافذة، على رأس الكونغرس،منع هذا الانسحاب، او تأخيره على أقل تقدير. لكن، رغم ذلك، يبدو أن الرئيس الأميركي مصمم على تنفيذ «وعده»، ووضع جدولاً زمنياً قصيراً لإخراج القوات الأميركية من الشرق السوري، رغم معارضة وزارة الدفاع للخطوة. فليل أمس، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن «الجيش الأميركي يستعد لسحب جميع القوات من سوريا بحلول نهاية نيسان المقبل»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن هذا الاستعداد لدى الجيش بدأ «على الرغم من أن إدارة (الرئيس دونالد) ترامب لم تضع خطة لحماية شركائها الأكراد» عقب الانسحاب. وكانت إدارة ترامب قد مهّدت لهذا القرار على اكثر من صعيد. فمن جهة، تسوّق أنها قضت على «داعش»، وستعلن «الانتصار» في غضون أيام. ومن جهة اخرى، تعيد ترتيب الأولويات في المنطقة، من خلال الترويج للبقاء في العراق «بهدف مراقبة إيران»، وعبر تسريب معلومات تفيد بالبقاء في منطقة التنف، قرب المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، لقطع الطريق البرية الأقصر التي تصل طهران وبغداد بدمشق وبيروت.في هذا الوقت، تستمر الاجتماعات التي تسبق «قمة سوتشي» المرتقبة في 14 شباط الجاري، ضمن صيغة «أستانا»، وسط توتر تشهده منطقة «خفض التصعيد» المفترضة في إدلب ومحيطها، وجمودٍ ميداني نسبي في منبج ومنطقة الحدود السورية التركية شرقي الفرات، لم تكسره تصريحات أنقرة بأن العمل على «خريطة منبج» جرى تسريعه مع الجانب الأميركي. وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، تابع زيارته الطويلة لطهران، والتقى (مساء أول من أمس) مساعد وزير الخارجية حسين جابري أنصاري، المكلّف بمتابعة الملف السوري في مسار «أستانا». ووفق ما رشح عن اللقاء، تركّزت النقاشات حول ملف تشكيل «اللجنة الدستورية» والتطورات المرتقبة في إدلب وجوارها. وينتظر أن يسافر المعلم إلى موسكو قبل يومين من موعد القمة الرئاسية لثلاثي «أستانا»، روسيا وتركيا وإيران. وسيجتمع المعلم ونظيره الروسي سيرغي لافروف، لبحث جملة الملفات التي ستتطرق إليها القمة. وضمن السياق نفسه، التقى لافروف، أمس، رئيس «تيار الغد السوري» أحمد الجربا، بعد اجتماع الأخير أول من أمس مع نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. وحمل اللقاءان أهمية خاصة في ظلّ الدور الذي يقوم به الجربا، بالتنسيق مع عدد من اللاعبين الإقليميين، ولا سيما ما يُطرح عن مشاركة قواته مع «بيشمركة روج آفا» في «تأمين» منطقة شرقي الفرات عقب الانسحاب الأميركي، كضمانة مقبولة لأنقرة بدلاً من «وحدات حماية الشعب» الكردية.
اللقاءات المكثّفة التي تبحث ملفات لقاء «أستانا» المقبل، تأتي في وقت حساس لجهة النقاش الأميركي ــــ التركي الناشط حول شرقي الفرات ومنبج. وبعد لقاء وفد تركي عدداً من المسؤولين الأميركيين ضمن صيغة «المجموعة المشتركة»، ومشاركة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في اجتماع الدول الأعضاء في «التحالف الدولي»، أكدت أنقرة أن هناك «تسارعاً» في مسار العمل الخاص بمدينة منبج. وأشار جاويش أوغلو إلى تشكيل «قوة عمل» مسؤولة عن بحث الانسحاب الأميركي المرتقب من سوريا وتنسيقه. الإعلان التركي يشابه ما خرج يوم إنشاء «مجموعة العمل المشتركة» الخاصة بتطبيق «خريطة منبج». حينها، تمت جدولة لقاءات دورية للمجموعة، ورشح عنها لاحقاً برنامج تدريب مشترك في ولاية غازي عنتاب التركية، تحضيراً لمرحلة الدوريات المشتركة التي نشطت في محيط منبج الشمالي. ومن غير المعروف ما إن كان التسارع الذي ذكرته أنقرة سيلبّي المهلة الزمنية (أسبوعين) التي وضعها إردوغان قبل يومين فقط، لإتمام العمل في منبج. وفي هذا السياق، كانت لافتة إشارة جاويش أوغلو، أمس، إلى أن «أي بطءٍ في تنفيذ خريطة منبج... تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليته». وكان واضحاً في كلام الوزير التركي أن النقاشات الجارية مع الجانب الأميركي لم تحسم ملف «المنطقة الآمنة» بعد؛ إذ قال إنه «لم تظهر بعد أفكار ملموسة»، مضيفاً إن بلاده تجري محادثات مع روسيا وعدد من الأطراف حول تلك المنطقة.
إردوغان: مستعدون لتولي المسؤولية في المناطق التي ستنسحب منها القوات الأميركية


وجاء كلام جاويش أوغلو بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، استعداد بلاده «لتولي مسؤولية مكافحة الإرهاب» في المناطق التي ستنسحب منها القوات الأميركية، معتبراً أن «مبادرة ترامب الأخيرة، وخاصة في سوريا (قرار الانسحاب)، أفشلت خطط الذين حاولوا تقويض العلاقات التركية - الأميركية». وقال إردوغان إن تركيا «تمتلك كل الإمكانات لإنشاء منطقة آمنة عبر تلقي الدعم اللوجستي فقط من الحلفاء، وإدارتها على ضوء المصالح المشتركة». وفي سياق دعوته إلى «إنشاء مساكن للاجئين في المناطق الآمنة»، لفت إلى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تعهّدا بتقديم الدعم لإنشاء تلك المناطق، وفق ما نقلت عنه وكالة «الأناضول».
وفي سياق التوتر السائد في إدلب، أعادت أنقرة التلميح إلى أن بعض الدول في «التحالف» شجعت «جماعات متطرّفة» على خرق «اتفاق سوتشي» الروسي ــــ التركي. وذهب جاويش أوغلو إلى القول إن أطرافاً في «المجموعة المصغّرة» تعطّل تشكيل «اللجنة الدستورية» أيضاً. الحديث التركي الذي يحاول ملاقاة مقاربة روسيا، لقي صدى في موسكو، إذ أشارت وزارة الخارجية الروسية إلى أنه «بالنظر إلى الوضع الصعب للغاية في منطقة إدلب، نتوقع من شركائنا الأتراك مضاعفة جهودهم وتنفيذ التزاماتهم بالكامل بموجب اتفاقيات سوتشي... بما في ذلك إنشاء منطقة منزوعة السلاح».