القاهرة | هو حدث دوري واعتيادي، لكن الدولة المصرية تسعى إلى استغلاله سياسياً إلى أقصى درجة ممكنة، ليس في اتجاه الخارج فقط، بل داخلياً أيضاً، حيث يحتاج الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدعاية بكل أنواعها. إذ من المقرّر أن يتسلّم السيسي الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي في الاجتماعات التي يستضيفها الاتحاد في مقرّه في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا غداً، في وقت تحتفي فيه القاهرة بالحدث على أنه من «إنجازات السيسي»! أيضاً، تريد الدولة المصرية استغلال هذا الموقع في طرح عدد من القضايا باسم القارة الأفريقية في المحافل الدولية، وسط تحركات خارجية لـ«توطيد العلاقات مع الدول الأفريقية التي عانت جفاءً لسنوات طويلة، وخاصة في ظلّ حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك»، وفق ما تقول مصادر مواكبة.ووفق الأنظمة الداخلية للاتحاد، تتناوب الأقاليم الخمسة في القارة على رئاسة الاتحاد، وحتى يفوز أي مرشح يجب أن يحصل على دعم لا يقلّ عن ثلثي الدول الأعضاء، أو بتوافق الآراء في الجمعية العامة، على أن يكون رئيس الاتحاد هو رئيس الجمعية أيضاً، التي تتألّف بدورها من رؤساء دول وحكومات الاتحاد. وجاء انتخاب مصر في كانون الثاني/ يناير 2018 لتكون المرة الثانية التي تفوز فيها إحدى دول الشمال الأفريقي، بعدما تولّى الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي الرئاسة في 2009. وفي الوقت نفسه، هذه هي المرة الرابعة التي تتولّى فيها مصر رئاسة الاتحاد («منظمة الوحدة الأفريقية» سابقاً) بعد أعوام 1964 و1989 و1993.
وبينما أعدّ السيسي أجندته لـ«أولويات القارة» خلال عام تولّيه رئاسة الاتحاد الأفريقي، سيتحدث باسم أفريقيا أمام الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر المقبل، وأمام «قمة العشرين» فى اليابان فى حزيران/ يونيو المقبل، وكذلك في قمة التعاون بين أفريقيا واليابان «تيكاد» التي ستُعقد في طوكيو في آب/ أغسطس المقبل، إلى جانب فعاليات دولية أخرى. تقول مصادر قريبة من الرئاسة إن السيسي «سيحاول استعادة دور عبد الناصر أفريقياً بعد سنوات من الابتعاد المصري عن القارة، الذي نشأ عقب محاولة الاغتيال الفاشلة لمبارك في أديس أبابا عام 1995». مع ذلك، قد يكرّر الرئيس المصري أسلوبه في اعتماد سياسات لا تخضع لدراسات دقيقة، وخاصة أنه أمام مهمة صعبة في ظلّ الذاكرة القريبة، عندما علّق الاتحاد عضوية مصر بعد «30 يونيو»، وهو الآن يحاول اجتذاب أعضائه بطرق شتى، وحتى بتقديم تنازلات في أكثر من قضية خاصة مع دول الجوار.
مع أنه حدث اعتيادي ودوري، إلا أن الدولة تريد الاحتفاء به واستغلاله خارجياً


مع ذلك، ثمة تشكيك في جدوى ما يفعله «الجنرال». فمن بين 69 زيارة إلى دول العالم في السنوات الثلاث الأولى لحكمه، كان منها 21 إلى الدول الأفريقية فقط، مع أنه عقد أكثر من 115 اجتماعاً أفريقياً خلال السنوات الأربع الأولى من رئاسته. والقضايا التي تهمّ القاهرة في القارة حتى الآن هي المصالح المائية، وتأمين الحدود، وفتح الأسواق الأفريقية للمنتجات المصرية، على أن «المحروسة» أبدت رغبة في مساعدة الدول الأفريقية في مجالات الزراعة والري وحفر الآبار، ومكافحة الأوبئة والأمراض، وتسوية الصراعات. كذلك، تقول أوساط اقتصادية إن على الأجندة خطة عمل لنقل القدرات المصرية في مجال البنية التحتية، وكذلك مشروع الربط الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، وإنجاز العمل في طريق القاهرة ــــ كيب تاون، فضلاً عن مقترحات أخرى كتمهيد الطرق، وتمديد خطوط السكة الحديد بما يتوافق مع أجندة 2013 ــــ 2063. ومن ضمن المشروعات المصرية الكبيرة في القارة، مشروع تحسين المجاري المائية في جنوب السودان، وحفر آبار مياه في كينيا، بالإضافة إلى السدّ المائي في تنزانيا، وتعزيز «المزارع المصرية النموذجية» التي تريد القاهرة أن تصل إلى 21 مزرعة خلال عامين، بدلاً من 8 حالياً.
في المقابل، سيواجه السيسي مشكلة ميزانية الاتحاد الأفريقي. ففي الوقت الذي اعتُمدت فيه ميزانية العام الجاري بنحو 681.5 مليون دولار خلال قمة نواكشوط في حزيران/ يونيو الماضي، تبقى هذه الميزانية أقلّ بـ 12% من ميزانية العام الماضي، علماً بأن مساهمة الدول الأعضاء فيها تبلغ 46%. ويسعى الاتحاد إلى تمويل ميزانيته ذاتياً بدلاً من الاعتماد على التمويل الخارجي. وسبق لمصر أن اقترحت فرض 0.2% من الواردات المستوردة كرسوم لتمويل الاتحاد، لكن هذا لم يلقَ ترحيباً من بعض الكيانات الاقتصادية الفرعية للدول الأفريقية مثل منظمة «سادك».
يشار إلى أن مصر أعلنت استضافة «ملتقى الشباب العربي والأفريقي» في أسوان ما بين الـ 16 والـ 18 من الشهر المقبل، وهو الملتقى الذي أعلن الرئيس المصري تدشينه خلال فعاليات «منتدى شباب العالم» في شرم الشيخ، الذي عقد في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ومن المقرّر أن يحضر السيسي الملتقى الذي تنظّمه «الأكاديمية الوطنية للشباب» التي أسّسها بنفسه، فيما يشرف على الترتيبات جهاز «المخابرات الحربية»، إذ يُتوقع أن يشهد حضور ما يقارب ألفي شخص. وعلى رغم التخفيضات المالية الحكومية، اتفق على وجود عشرات الفنادق العائمة لاستيعاب الأعداد الكبيرة التي ستُوجّه الدعوة إليها.
في سياق متصل، أعلن المتحدث الرسمي باسم الخارجية، أحمد حافظ، نجاح مصر في الفوز باستضافة مقرّ وكالة الفضاء الأفريقية. وأضاف حافظ، في تصريح أمس، من المنتظر أن يعتمد القادة الأفارقة هذا القرار خلال اجتماعهم الاثنين المقبل، في إطار اجتماعات القمة الأفريقية.



رئيس الجامعة الأميركية يرفض دعوات إقالته
تتواصل تداعيات الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في الجامعة الأميركية في القاهرة، بعدما أوصى مجلس شورى الجامعة بسحب الثقة من الإدارة الحالية برئاسة السفير ريتشارد دوني، بأغلبية 80%، جراء تصويت «الجمعية العمومية لأساتذة الجامعة» في وقت سابق على هذا المطلب بنسبة وصلت إلى 90%، وانتقادها استقبال الجامعة للوزير، وإلقاءه خطاباً من داخلها بما يخالف القواعد المعمول بها. وعلى رغم تبرير رئيس الجامعة وجود بومبيو باعتبار أن دعوة حضوره جاءت من هيئة خارجية، فإن أساتذة الجامعة رفضوا تبرير دوني الذي شغل منصب سفير واشنطن الأسبق لدى القاهرة، مؤكدين أن إدارة الجامعة ما كان لها أن تقبل مثل هذا الطلب في ظلّ أن «قاعات الجامعة ليست قاعات مناسبات يمكن لأي جهة استئجارها». في المقابل، رفض دوني الضغوط للاستقالة طواعية من منصبه، علماً بأن تعاقده ينتهي العام المقبل. في غضون ذلك، يٌعقد اجتماع «مجلس الأوصياء» نصف السنوي الأسبوع الجاري، بالتزامن مع بدء احتفالات الجامعة لمرور 100 عام على إنشائها، وذلك لبحث الأمر، على رغم أن قرارات «مجلس شورى الجامعة» ليست إلزامية، لكن عادة ما يؤخذ بها لدى «الأوصياء».