يحيي اليمن الذكرى السنوية الثامنة للثورة الشعبية، التي أُطلق عليها اسم «ثورة الشباب اليمنية»، والتي انضمت معظم الأحزاب إليها، معلنة تأييد التغيير في الإطار الشعبي السلمي. وقد اندلعت الثورة على نظام صالح، الذي تربّع على حكم اليمن 33 سنة، بسبب تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد، حيث بلغت نسبة البطالة 35%، فيما كان يفتقر 31% من السكان إلى الأمن الغذائي، ويعيش 40% تحت خط الفقر. وقد طالب الثوار، الذين افترشوا الساحات العامة في العاصمة صنعاء والمدن الكبيرة، برحيل النظام، بالإضافة إلى الإصلاح السياسي والدستوري، ومنع توريث الحكم الذي كانت مؤشراته واضحة.
استطاع النظام السابق إعادة إنتاج نفسه من دون تغييرات جوهرية
لكن المفارقة في ثورة 11 فبراير هي تفكّك المنظومة التي تقاسمت النظام قرابة 33 سنة بين الرئيس السابق الذي كان يتزعم «المؤتمر»، وبين «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون)، بانحياز أحد أبرز أعمدة النظام البارزين، الجنرال علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، الذي شارك في اجتياح الجنوب عام 1994، وقاد الحروب الست على صعدة، إلى جانب الثوار. كذلك، استغلّ «الإصلاح» ثورات الربيع العربي لإسقاطها على ثورة 11 فبراير، وباتت القاهرة (إبّان صعود نجم الإخوان) وجهة قادة الحزب، فيما اعتبرت الرياض أن «الإصلاح» خرج عن التفاهمات التاريخية التي جمعت الطرفين، وعدّت ذلك بمثابة خيانة لتلك التفاهمات. وقد كشفت وثائق «ويكيليكس» أن القيادي البارز في «الإصلاح»، حميد الأحمر، تآمر على شريك والده عبد الله الأحمر في الحكم، علي عبد الله صالح، وتحيّن الفرص أكثر من مرة للانقضاض عليه.
وخشية من تحقيق الثورة أهدافها في تغيير النظام، وإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية، والخروج من الوصاية إلى السيادة، سارعت دول الخليج، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى الالتفاف على الثورة، وإطلاق المبادرة الخليجية، وهي اتفاقية سياسية قضت بمنح الرئيس صالح وأعوانه حصانة من أي ملاحقة قانونية أو أمنية، مقابل نقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، على أن تلي ذلك انتخابات رئاسية في غضون 30 يوماً، ويطلق الرئيس المنتخب حواراً مع المكونات الوطنية من أجل الإعداد لدستور جديد للبلاد.
في 23 نوفمبر 2011، جرى في الرياض التوقيع على خطة للانتقال السياسي. وفي عام 2012، انتُخب هادي رئيساً انتقالياً لليمن باعتباره مرشحاً وحيداً أجمع عليه «المؤتمر» وأحزاب «تكتل اللقاء المشترك»، ومن ضمنها «الإصلاح». والمفارقة الأخرى أنه مرة جديدة استطاع النظام السابق إعادة إنتاج نفسه، من دون أي تغييرات جوهرية في الحكم، باستثناء تغيير شخص صالح، مع الإبقاء على حزبه وكامل منظومته في الحكم، لتتشارك السلطة من جديد مع «الإصلاح»، بعدما تشاركا قبل ثورة 11 فبراير، 33 سنة. وبذلك، يكون النظام الجديد - القديم قد نجح في احتواء «ثورة الشباب»، وأفشل أهدافها، وتسيّد مرة أخرى على البلاد من دون منازع.