لم ينطوِ تقدير «الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية» (أمان)، كما وردت تفاصيل منه في الإعلام العبري أمس، على أي مفاجأة أو تحديث مغاير مما ورد في التقدير الاستخباري السنوي الصادر عن «معهد أبحاث الأمن القومي» الشهر الماضي، وتحديداً بما يتعلق بالجبهة الشمالية.يعود ذلك إلى محدودية الخيارات أمام صانع القرار في تل أبيب ووضوح المشهد الإستراتيجي ومركباته، وفهم كل من الأطراف الخطوط الحمر للطرف الآخر، بعدما أدلت كل القوى بدلوها في ما يتعلق بخياراتها وسقف ردودها، الأمر الذي فتح المشهد الإقليمي على سيناريوات محددة مسبقاً.
من جهة، باتت تل أبيب تدرك الخطوط الحمر التي يعقبها ردود في الساحة السورية، وهي التي التزمت التحرك دون هذا السقف في السنوات الماضية. وهي تدرك أيضاً أن نافذة الفرص التي لاحت لها في أعقاب وبسبب الحرب في سوريا تتجه إلى الانغلاق، الأمر الذي تخشى من مفاعيله وتداعياته الاستراتيجية عليها. في المقابل، تصر إسرائيل على مواصلة اعتداءاتها، وهو في الواقع إقرار غير مباشر منها بأنها لم تحقق أهدافها المأمولة، وأن عودة سوريا برئاسة بشار الأسد إلى اقتدارها سوف تؤدي إلى تفاقم التهديدات على أمنها القومي.
على هذه الخلفية، يندرج ما أورده التقدير عن احتمالات التدحرج نحو مواجهة محدودة في الجبهة الشمالية، في سوريا ولبنان، بما يسميه مواجهة الأيام المحدودة، تمييزاً لها عن المواجهة الواسعة والشاملة. هذا التقدير ينطلق من أن كل الأطراف غير معنيين بالحرب أو التسبب فيها بما فيها إسرائيل نفسها، وربما هي في مقدمتهم. مع ذلك، يبقى حاضراً بقوة هامش الخطأ في التقديرات ومحاولة إسرائيل فرض معادلات يرفضها الطرف المقابل، حتى لو أدى ذلك إلى التدحرج نحو مواجهة واسعة.
تدرك إسرائيل جدية والتزام حزب الله قواعد الاشتباك وحرصه عليها


ومما يرد في التقدير، تحديداً ما يتعلق بمواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران وبرنامجها النووي، تبدو إسرائيل في موقع المنتظر لمفاعيل الخيار والأفعال الأميركية مع الاستعداد لتداعيات سيناريو فشل إخضاع طهران أو ردّها على الخرق الأميركي للاتفاق النووي والتحلل من قيوده.
أما ما يرتبط بالساحة اللبنانية، ذات الخصوصية وقواعد الاشتباك الصارمة التي تدفع إسرائيل للانكفاء عن الاعتداء المباشر فيها، فلا جديد في كل ما يرد في تقدير الاستخبارات عنها على رغم الإشارات الواضحة إلى أنها لا تريد ولا ترغب بالمواجهة. الجديد ربما هو التأكيد على إدراك إسرائيل جدية والتزام حزب الله قواعد الاشتباك وحرصه عليها، بمعنى أنه في وارد الرد على الاعتداءات إن حصلت. وحتى لو أدى ذلك إلى تصعيد محدود، تقدر «الاستخبارات الإسرائيلية» أنه لن يصل إلى الحرب الواسعة، لرفض ولا إرادة طرفيها، الوصول إليها.