أحبط الجيش السوري أمس محاولة لاقتحام سجن حلب المركزي، هي الأضخم من نوعها، وبالتوازي سارت محاولة اقتحام مطار كويرس العسكري في ريف حلب على المسار ذاته. وبدا أن الهجومين اللذين شنتهما «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام الإسلامية»، كانا يرميان إلى تغيير المعادلة الميدانية في حلب، بعد التقدم الذي حققه الجيش فيها خلال الأسبوعين الأخيرين. وكان لافتاً أن الائتلاف السوري المعارض سارع إلى إصدار «بيان تهنئة بسقوط السجن»، قال فيه إنه و«بعد معركة جرت بالتنسيق بين عدد من الكتائب العسكرية المقاتلة في صفوف الثوار، تمكّن الثوار من دخول سجن حلب المركزي، وتحرير السجناء المعتقلين فيه».

محاولة اقتحام السجن التي مُنيت بالفشل، بدأت بشنّ مسلحين تابعين لـ «النصرة» و«أحرار الشام» هجوماً كبيراً بقيادة سيف الله الشيشاني (الذي قتل أثناء الهجوم) أحد قادة «النصرة»، واستهدف بوابة السجن الرئيسية، عبر التمهيد بتفجير انتحاري، تزامن مع استهداف بوابة السجن بقذائف أطلقتها دبابتان كانتا بحوزة المهاجمين. وحاول المسلحون استغلال التفجير لاقتحام السجن، (وهو الأسلوب الذي اتبع في اجتياح مطار منغ العسكري ومدينة معلولا التاريخية ومشفى الكندي). ودارت معارك عنيفة تمكّنت حامية السجن، بمؤازرة الطائرات الحربية، في نهايتها من إحباط الهجوم، الذي خلّف قتلى بالمئات في صفوف المهاجمين. وأكد مصدر من داخل السجن لـ «الأخبار» أن «القتلى يُقدرون بالمئات. هذه ليست مبالغة. وقد استشهد ثمانية عشر من عناصر حامية السجن أثناء صد الهجوم». بدوره؛ أقرَّ مصدر «جهادي» معارض في حديث لـ«الأخبار» بفشل الهجوم. وقال: «تمكن إخوتنا المجاهدون من تحقيق تقدم أول الأمر، لكن القصف الجوي والمدفعي العنيف دفعهم إلى الانسحاب بحلول الساعة السابعة». وأضاف: «إن للباطل جولة، ورغم فشل غزوة «وامعتصماه»، فإن الإخوة المجاهدين عازمون على تحرير السجن». في المقابل؛ سخر مصدر عسكري من حديث المصدر «الجهادي» حول تقدم حققوه أول الهجوم، وقال: «كان هجوماً فاشلاً منذ اللحظة الأولى، الانتصارات موجودة في أوهامهم فقط. وفي الأخبار التي تفبركها وسائل الإعلام الداعمة لهم».
وكانت وكالات أنباء قد نقلت عن مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن قوله إن «عناصر من جبهة النصرة وحركة أحرار الشام سيطروا على 80 في المئة من سجن حلب المركزي، وتمكنوا من الإفراج عن مئات السجناء، بينما تستمر الاشتباكات في بعض الاجزاء الباقية».
وعلى صعيد متصل؛ توعدت «جبهة النصرة»، و«الجبهة الإسلامية» أمس بشن عملية واسعة النطاق تستهدف الأحياء الغربية في مدينة حلب، أُطلق عليها اسم «واقترب الوعد الحق». وطالبتا سكان تلك المناطق بمغادرتها خلال أربع وعشرين ساعة.
ويرزح سجن حلب المركزي تحت حصار خانق، منذ قرابة عام. ولم يستقبل السجن أي سجين منذ مطلع تموز 2012، حيث كان عدد نزلائه حينها 4200 سجين. وخلال شهور الحصار مات حوالى 200 سجين، بعضهم بسبب الجوع الناجم عن الحصار، وبعضهم من جراء المعارك التي تنشب على نحو مستمر. وجرى خلال عام 2013 الإفراج عن 844 سجيناً معظمهم ممن أنهوا فترات توقيفهم، ومن ضمنهم عدد من الإسلاميين. وجاء هذا الإفراج بعد الوصول إلى اتفاق بوساطة من مبادرة «أهالي» ومنظمة الهلال الأحمر السوري في حزيران الماضي. وقضى بإفراج السلطات السورية تدريجيا عن 62 سجيناً إسلامياً (أُفرج عن 18 منهم قبل أن يتوقف تنفيذ الاتفاق)، مقابل موافقة المحاصِرين على دخول لجنة قضائية إلى السجن، لفحص أضابير السجناء تمهيداً للإفراج عمن يسمح القانون بالإفراج عنهم، سواءٌ الذين أنهوا فترات سجنهم وفق الأحكام القضائية التي طاولتهم، أو الذين شملتهم مراسيم العفو المتتالية، كما سمح الاتفاق بدخول لجنة طبية إلى السجن، علاوةً على إدخال أدوية ووجبات غذائية صالحة للاستهلاك اليومي. ويبلغ عدد نزلاء السجن في الوقت الحالي حوالى 3000 سجين جنائي بقضايا جنائية بحتة، من بينهم 100 امرأة. إضافة إلى 48 من الإسلاميين المنتمين إلى تنظيم «القاعدة» وجماعة «جند الشام»، الذين نُقلوا مع بدايات الأزمة السورية من سجن صيدنايا العسكري. ويمثل تحرير هؤلاء الدافع الجوهري وراء المحاولات المتكررة لاقتحام السجن، كما يمثل في الوقت نفسه حائلاً دونَ تفكير المسلحين في تنفيذ تفجير كبير على غرار ما حصل في مشفى الكندي. ويُعدّ سجن حلب المركزي بناءً محصناً على نحو كبير، فهو مبني بطريقة تجعل اقتحامه شبه مستحيل إلا بعد تفجيره تماما. أما الطرق المحيطة بالسجن، فهي مغلقة تماما بسواتر ترابية، ما يجبر أي سيارة تحاول التقدم نحوه على السير ببطء يجعل استهدافها بقذائف الآر بي جي أمراً سهلاً. ويقارب عدد عناصر حامية السجن 500 عنصر من الجيش والشرطة، وبين أيديهم كميات كبيرة من الذخيرة، وعدد من المدافع المحصنة عيار 24، وعدد من الدبابات.




القائد الشيشاني

يعدّ سيف الله الشيشاني الذي قاد الهجوم على سجن حلب المركزي، واحداً من أبرز المقاتلين الشيشانيين في سوريا. كان «الشيخ أبو سيف»، كما يُدعى، أحد المنضوين تحت راية «جيش المهاجرين والأنصار» بقيادة «الشيخ عمر الشيشاني». وبقي في صفوفه بعد «مبايعة» الأخير لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». قبل أن يؤدي خلاف نشب بين الرجلين في أيلول الماضي إلى انشقاق سيف الله، وتأسيسه ما سماه «جيش الخلافة الإسلامية». وتؤكد مصادر مقربة من عمر الشيشاني، أن سبب الخلاف كان «قيام سيف الله بالاختلاس من بيت المال، إضافة إلى قيامه ومجموعة من مؤيديه بحملات تكفير كبيرة، الأمر الذي أساء إلى سمعة المجاهدين، وأثار الاستياء ضد القوقازيين بين إخوتنا في بر الشام». وفي المقابل؛ ترد مصادر مقربة من سيف الله بأن «هذا الكلام محض افتراء»، وتؤكد أن «شيخنا الشهيد آثر إنشاء جيش الخلافة الإسلامية بعد التخاذل الذي ساد في صفوف جيش المهاجرين والأنصار. وانشغالهم بمتاع الحياة الدنيا، وبأموال النفط عن الهدف الأسمى للجهاد، وهو إقامة الخلافة الإسلامية الراشدة». في كانون الأول الماضي، أعلن سيف الله حل «جيش الخلافة الاسلامية»، والانضمام الكامل إلى «جبهة النصرة». وتؤكد المصادر «الجهادية» لـ «الأخبار» أن سيف الله الشيشاني سبق له أن عقد اجتماعات في تركيا مع عدد من المعارضين السياسيين، ومن ضمنهم أعضاء في الائتلاف السوري المعارض، وفي المجلس الوطني السوري المعارض.