لم يكد ينسى معلمو الرقة دورات «الاستتابة الشرعية» ومحاضرات «فكر القاعدة الجهادي» التي أخضعهم لها تنظيم «داعش» خلال ثلاث سنوات من حكمه، حتى جاءتهم «قوات سوريا الديموقراطية» بدورات فكرية جديدة. «رحلةٌ في فكر القائد عبد الله أوجلان»، هذا ما فرضته «قسد» على معلمي محافظة الرقة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، حيث أبلغت كوادر التدريس الذين يعملون في قطاع التربية والتعليم التابع لـ«مجلس الرقة المدني» بضرورة الالتحاق بتلك الدورات الفكرية التي تتراوح مدتها بين أسبوعين وأربعة أسابيع، وفصل كل متخلّف عن حضورها من عمله.
من أحد أحياء مدينة الرقة قبل نحو عشرة أيام(أ ف ب )

رفض معلمون الالتحاق بتلك الدورات الفكرية المغلقة لما لها من «أبعاد سياسية». وقال أحد المعلمين، الذي فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، في حديث إلى «الأخبار»: «عملنا مع مجلس الرقة المدني لإعادة الحياة إلى المدارس المدمرة، وإعادة الطلاب إلى مقاعد الدراسة، وتعويضهم عن السنوات الماضية التي حُرموا وحرمنا فيها من التعليم. كان هدفنا القيام بمهمتنا بعيداً عن المواقف السياسية، ورفضنا المناهج المسيّسة، واعتمدنا منهاج منظمة اليونيسيف لتعليم تلاميذ المرحلة الابتدائية، والمناهج السورية في المراحل التالية، ولم تكن الدورات الفكرية في الحسبان». ويُضيف المعلم: «أبلغونا بموعد الدورات، ورفضت مع بعض التربويين الالتحاق بها لأسباب كثيرة، أهمها الاختلاف الفكري والثقافي، إلا أن ذلك لم يعجب القائمين على تلك الدورات، فأوقفوا رواتبنا، وأنذرونا بالفصل من العمل نهائياً إن لم نلتحق».
يُمنع المشارك في الدورة من استخدام وسائل الاتصال


يركّز المحاضرون في الدورات الفكرية على «القائد أوجلان» كما يصفونه، ويسهبون في الحديث عن أفكاره النضالية وتضحياته. «أوجلان هو القائد لجميع شعوب المنطقة»، وهو يُناضل في سجنه من أجل حرية جميع الشعوب، وليس من أجل الأكراد فقط أو لإقامة «دولة كردية» في المنطقة. هذا ما يجب أن يتعلّمه ويؤمن به المشارك في تلك الدورات. وتتضمن المحاضرات أيضاً موضوعات مثل الأخلاق، وحرية المرأة، والإرهاب التركي الذي يستهدف «أخوّة الشعوب»، إلى جانب الأمة الديمقراطية والرأسمالية وسوسيولوجيا الحرية، وغيرها.
يقول معلّم آخر من الرقة، رفض الإفصاح عن اسمه، وهو شارك في إحدى الدورات: «إن الهدف الأساسي للدورات الفكرية هو نشر أفكار أوجلان. ويستغلّ المهيمنون على قطاع التربية حاجتنا المادية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها، لإجبارنا على الخضوع لهذه الدورات المغلقة. لو تُرك الأمر لنا لما التحقنا بها، ولكننا نلحق لقمة الخبز من أجل عائلاتنا».
تدفع الحاجة وقلة الحيلة الآلاف من أبناء الرقة للعمل في الهيئات واللجان التي أحدثتها «قسد»، بما في ذلك في القطاع التربوي. وتعتمد آلاف الأسر في معيشتها على الراتب الشهري الذي يبلغ 50 ألف ليرة سورية، أي نحو 100 دولار أميركي، لذا هم مجبرون على الالتحاق بأي دورة تُفرض عليهم، ومهما كان مضمونها، حتى وإن كانوا غير مقتنعين بما يُملى عليهم خلالها.
يُضيف المعلم: «يُمنع المشارك خلال الدورة من استخدام وسائل الاتصال، وينقطع عن العالم الخارجي إلى أن تنتهي، والغاية التأثير على المعلمين ليؤثروا بدورهم في التلاميذ، وينقلوا إليهم الأفكار التي يريد الساسة غرسها فيهم». وكان معلمون في ريف الرقة قد تظاهروا احتجاجاً على إيقاف رواتبهم بعد رفضهم الالتحاق بالدورات الفكرية، وطالبوا لجنة التربية في مجلس الرقة المدني بالتدخل، وإنهاء هيمنة بعض السياسيين على قطاع التعليم، إلا أن مطالبهم لم تلقَ أي استجابة.
وعلى خلاف الحال في مناطق سيطرة «قسد»، فإن المدارس في ريف الرقة الجنوبي، الخاضع لسيطرة الحكومة، ملتزمة مناهج وزارة التربية السورية. وتتركز تلك المدارس التي تزيد على مئة في نواحي معدان والسبخة ودبسي عفنان والمنصورة، وتضمّ آلاف الطلاب (راجع «الأخبار» الجمعة 16 آذار 2018).