يلتقي رئيس الجمهورية التونسية، الباجي قائد السبسي، بالأمين العام المستقيل من حزب «نداء تونس»، محسن مرزوق، الذي أعلن نيته تأسيس حزب جديد، وسط توقعات بأن يسفر هذا الاجتماع عن تفاهمات جديدة بخصوص أزمة الحزب التي اندلعت منذ ما يزيد على شهرين، وتسببت في انقسامه إلى معسكرين.وتحرص رئاسة الجمهورية على أن يبقى هذا الاجتماع سرياً، حتى لا يُتهم السبسي بالخلط بين عمل الدولة والعمل الحزبي، فلم تؤكد مسؤولة التواصل في رئاسة الجمهورية حصوله، نافية برمجة اجتماع رسمي بين الرئيس ومرزوق.
القيادي السابق في «نداء تونس»، مهدي عبد الجواد، الذي انضم حديثاً إلى فريق مرزوق، لا يرى أي أهمية لهذا اللقاء في تغيير مجريات الأحداث، معتبراً أنه سيكون عادياً، حيث سيدعو مرزوق رئيس الجمهورية إلى حضور مؤتمر حزبه الجديد، في آذار المقبل.
«أزمة نداء تونس لم تعد تعني فريق محسن مرزوق، لأنهم انفصلوا تماماً عن مسار نداء تونس»، يقول عبد الجواد لـ«الأخبار»، موضحاً أن مرزوق اجتمع بالنواب والقياديين الذين انفصلوا عن «نداء تونس» أخيراً، وأكد لهم أن لا مجال للتراجع عن الاستقالات، وأن الحزب الجديد «سيكون الحاضنة للمشروع الذي تأسس لأجله نداء تونس».
عبّرت الإدارة الأميركية عن عدم رضاها عمّا يحصل لنداء تونس

ويرجّح عبد الجواد أن يطرح مرزوق أمام السبسي رؤيته المتعلقة بالوضع العام في البلاد، وأن يكون الحديث عن «نداء تونس» عاماً، أي في إطار تأثير أزمة الحزب الحاكم (الذي فقد غالبيته النيابية نتيجة الاستقالات) على الوضع السياسي في البلاد.
ومن المنتظر أن يطرح مرزوق أمام رئيس الجمهورية تفعيل «الأغلبية الرئاسية»، أي الأحزاب التي دعمت السبسي في الانتخابات الرئاسية في دورتها الاولى والثانية، وذلك في محاولة لدعم مؤسسة رئاسة الجمهورية التي اهتزت صورتها خلال الأشهر الماضية، جراء أزمة الحزب الحاكم.
وتتعمق أزمة الحزب المذكور يوماً بعد آخر، وتتوالى الاستقالات داخله، مؤشرة على قرب نهاية الحزب الذي لم يتمكن مؤتمره المنعقد أخيراً في مدينة سوسة من إيقاف مسلسل استقالات كوادر الحزب ونوابه منذ ما يزيد على شهرين، بل زاد في حدة الأزمة، لتطال حتى قياديين عُرفوا بتأييدهم لانعقاد المؤتمر منذ البداية.
وكان من بين المستقيلين القياديّيَن في الحزب، وزير الصحة سعيد العايدي، ووزير الشؤون الاجتماعية محمود بن رمضان، وذلك احتجاجاً على ما وصفاه بالمسار غير الديمقراطي والاقصائي في الحزب، علماً بأن ما لا يقل عن 8 من القياديين الآخرين أعلنوا استقالتهم للسبب نفسه.
وسبق ذلك إعلان 22 نائباً من البرلمان استقالتهم من كتلة الحزب، احتجاجاً على تزايد نفوذ حافظ السبسي، ابن رئيس الدولة، في الحزب، وضد ما قالوا إنه سعي للتوريث، وأيضاً بسبب التحالف مع الإسلاميين.
وتتزايد الدعوات وسط حزب نداء تونس للرئيس، الباجي قائد السبسي، إلى التدخل لإقرار تسوية يقبل بها كل الأطراف المتصارعة في الحزب، خصوصاً أن مؤتمر سوسة الأخير وسّع الهوة بين أبناء الحزب.
وأكدت مصادر لـ«الأخبار» أن الرئيس يقود مفاوضات مع أطراف فاعلة داخل «نداء تونس» لتقريب الهوة بين الأجنحة المتصارعة، وأن النية تتجه نحو إلغاء كل مقررات مؤتمر سوسة، وذلك في ظل الرفض الكبير لتولي ابن الرئيس، حافظ قائد السبسي، قيادة الحزب.
وفي حديث إلى «الأخبار»، رأى المحلل السياسي، منذر ثابت، أن لقاء السبسي بمرزوق سيكون «لقاء جس نبض، ولقاء الحد من الخسائر للطرفين»، مضيفاً أن الرئيس «سيحاول أن يتوصل لتفاهمات، خصوصاً أن الوضع السياسي مرتهن بهذه التفاهمات، كما سيعمل على تحميل مرزوق المسؤولية عن حصول حزب النهضة (الإسلامي) على الأغلبية البرلمانية». ورأى ثابت أن «مرزوق... سيسعى للمناورة، كي لا يفقد قواعده التي انشقت عن نداء تونس، كما سيحاول التوصل إلى اتفاق مع رئيس الجمهورية».
ويشير ثابت إلى «الضغوط الأجنبية، وتحديداً من طرف الإدارة الأميركية التي عبّرت عن عدم رضاها عمّا يحصل داخل نداء تونس، ما يجعل محسن مرزوق في وضع حرج سياسياً، أضف إلى ذلك الاحترازات داخل فريق مرزوق حول طريقة إدارة الأخير للمشروع (الحزب) الجديد». ويجزم أحد قادة هذا المشروع، مهدي عبد الجواد، بأن مبادرة رئيس الجمهورية، أو أي مبادرة أخرى للمّ الشمل، لن تكون مفيدة الآن، بعد انصراف مؤسّسي الحزب الجديد إلى العمل على تجهيز حزبهم للاستحقاقات القادمة، معتبرين «نداء تونس» جزءاً من الماضي.
ويشير عبد الجواد إلى استعداد الأخيرين للإعلان رسمياً عن الكتلة البرلمانية الجديدة، المنشقة عن «نداء تونس»، والتي اختارت تسمية «الحرة»، وذلك يوم غد، خلال جلسة البرلمان. وأكد رئيس الكتلة الجديدة، عبد الرؤوف الشريف، أن الكتلة «لن تكون في المعارضة، بل ستعمل على أساس مشروع كامل. هدفنا هو التموضع في إعادة المشروع الذي ترشحنا من أجله، والانطلاق في كل الإصلاحات التي رسمناها».