يقترب موعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية في التاسع من الشهر المقبل، وتتزايد في سياق ذلك التهديدات الصادرة عن إسرائيل بالحرب على قطاع غزة، إذا لم يستسلم الفلسطينيون أو يرضوا بالحصار، من دون أي حراك مقابل. باتت تلك التهديدات تتصدّر الحملات الانتخابية، بعدما تحوّل التطرف ضدّ الفلسطينيين إلى هدف في ذاته، يتراكض إليه المرشحون طلباً لأصوات الناخبين؛ إذ كلما ازدادت المواقف تطرفاً مع وعود بالمزيد منها، حظي المرشح بقبول الناخبين وأصواتهم في صناديق الاقتراع.ومن بين ما صدر عن تل أبيب، في هذا الإطار، تصريحات لرئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، «الليكودي» آفي ديختر، أكد فيها أن لا حل سياسياً للوضع في غزة، مطالباً بإعادة احتلاله ووضع خطة لنزع سلاحه وتفكيك بنيته التحتية العسكرية. تصريحات ديختر هي واحدة من سلسلة تتابعت في المدة الأخيرة على خلفية الانتخابات، رغم الإدراك الجمعي لدى الإسرائيليين بأن خياراتهم العسكرية ضيقة جداً في اللجوء إلى القرارات المتطرفة، ليس باتجاه إعادة الاحتلال البري الكامل للقطاع كون الكلفة تزيد على الفائدة، بل مطلق المواجهات الواسعة، مع أو من دون الغزو البري الذي يهدد به ديختر.
يرتبط الصراع بين الجانبين بتموضع كل منهما وهويته، بمعزل عن هذه الانتخابات، وإن تسبّبت الأخيرة في زيادة حدّة التطرف على خلفية المزايدات بين المتنافسين. ثمة محتل يحاصِر ويعاند في الإبقاء على حصاره في انتظار استسلام يدرك أنه متعذّر، مع خشية من أن يتسبب حصاره في مواجهة منفلتة يخاف تبعاتها وقلة جدواها. وفي المقابل طرف محاصَر يسعى إلى فك الحصار الجائر عنه، أو ما أمكن منه، مع انتباهه إلى ألّا يتسبب ذلك في مواجهة شاملة، على رغم إدراكه أن المواجهة قد تكون الأمل الأخير في فكّ الحصار.
على خلفية هذا التموضع، تركّزت قواعد اشتباك يربط بها الجانبان أفعالهما الابتدائية أو ردود أفعالهما، وتحديداً ما يقدّره كل جانب من رد فعل الآخر، وأقصى ما يمكن أن يتحمّله، ضمن ضابطة حاكمة: الامتناع عن التسبب في مواجهة شاملة أو ما قد يقود إليها. إلا أن ترسيم قواعد الاشتباك لا يلغي حدوث استثناء على خلفيات متداخلة لدى هذا الجانب أو ذاك، أو نتيجة سوء تقدير موقف الطرف آخر ومستوى ردّ فعله. لكن الثابت أنه لا إرادة حرب، وتحديداً لدى الجانب الإسرائيلي، صاحب المبادرة عادة ربطاً بقدراته وإمكاناته؛ إذ كان يمنع، وإن بمساعدة شركائه في حصار غزة، التدحرج إلى المواجهة الشاملة.
أما الآن، فدخول الانتخابات الإسرائيلية على خط الصراع، والتسليم بأنها تمنع التصعيد الإسرائيلي خشية تداعياته على الأمن ونتائج الانتخابات، لهما تأثير في اتجاهين اثنين: دفع المرشحين إلى التنافس على الصورة الأكثر تطرفاً وكرهاً وإيذاءً للفلسطينيين، في موازاة السعي إلى إفهام غزة أن الامتناع عن المواجهة، وتحديداً قبل الانتخابات، لا يمنع إسرائيل بالمطلق من مباشرة الخيارات العسكرية على اختلافها. إذاً، هي إرادة منع تقلّص الردع في وجه الفلسطينيين، ومنع استغلالهم فرصة الانتخابات للدفع باتجاه تصعيد أمني تكون إسرائيل غير معنية بمجاراته، حتى وإن كانت تداعياته محصورة بأيام قتالية محدودة، لا حرباً شاملة. 
من شأن الانتخابات، حتى من دون موقف ابتدائي أو رد فلسطيني، أن تزيد المواقف المتطرفة والتهديدات الإسرائيلية كمّاً، من دون أن توازيها أو أن تواكبها أفعال واعتداءات في مستواها. والمعادلة هنا باتت على هذا النحو، إلى حين إجراء الانتخابات في حدّ أدنى: عندما تشدد إسرائيل على ألّا حل سياسياً مع غزة، فهذا إشارة منها إلى أنها ما زالت مصرة على حصارها، حتى وإن أقدمت (قبل الانتخابات وما بعدها) على جرعات «تسهيل اقتصادي» لا تنهي الحصار. ولكن عندما تؤكد، في الموازاة، أن الحل يكمن في عملية عسكرية واسعة تنهي الوضع الحالي بما يؤول إلى الأحسن من ناحيتها، فهي تكذب.