قبل سنة 2015، كان القانون المعمول به في المحاكم الفلسطينية عامة، وفي شأن المخدرات خاصة، يعود إلى العهد الأردني عام 1960، وهو قديم وغير رادع. فقد كان يحكم على المتعاطي أو المروّج أو التاجر بالسجن ثلاثة أشهر فقط، مع إمكانية تحويل العقوبة إلى غرامة يقدّرها القاضي: 16 ديناراً أردنياً مقابل كلّ شهر على الأكثر (نحو 20 دولاراً أميركياً). لكن في أيار/ مايو من تلك السنة، أصدرت الحكومة الفلسطينية القانون الرقم 18، الذي صدّق عليه رئيس السلطة محمود عباس بمرسوم رئاسي غلّظ العقوبات. ففي المادة 21 يَرد أن «كل شخص ينتج أو يصنع أو يزرع مواد مخدرة أو يستوردها أو ينقلها أو يخزنها بقصد الاتجار» تصل عقوبته إلى الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقلّ عن عشر سنوات، مع غرامة لا تقلّ عن 10 آلاف دينار أردني ولا تزيد على 20 ألفاً. كذلك، شدّدت المادة 22 على أنه في حال تكرار الجريمة، أو ثبوت كون الجاني موظفاً حكومياً أو يعمل في مجال مكافحة جرائم المخدرات، أو في حال تسببت الجريمة في الوفاة والضرر، أو ارتكابها في دور العبادة والمؤسسات العامة، تصل العقوبّة هنا إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وغرامة لا تقل عن 15 ألف دينار ولا تزيد على 25 ألفاً.رغم إصدار السلطة هذا القانون، يبدو في نظر كثيرين غير كافٍ ولا يحلّ مشكلة زراعة المخدرات، لأن الغالبية العظمى من الأحكام القضائية حتى الآن تتعلق بجرائم التعاطي والحيازة والترويج. ومع أنه جرى تشديدها على نحو لافت منذ نهاية العام الماضي، فإن عدداً قليلاً جداً من الأحكام صدرت في قضايا الزراعة تحديداً. يرى هؤلاء أن ملاحقة الشرطة في الضفة لزراعة المخدرات لن تكون ناجحة في اجتثاث الظاهرة من جذورها، لأسباب كثيرة أولها يتعلق بقدرة كبار المموّلين الإسرائيليين أو وكلائهم الكبار على تعويض خسارتهم الدائمة، إذ إن خسارة ثمن البذور يمكن تعويضها بخلط المخدرات النقية بمواد كيميائية بنسب أكبر (المواد الكيميائية سعرها أقل من القنّب الطبيعي مثلاً)، وهذا يزيد حجم المنتج المخدر ويرفع سعره فيما تقلّ تكلفة إنتاجه. وأيضاً يعوّض التاجر أو الموزع خسارته بطريقة خادعة، كأن يكتب على غلاف المادة المخدرة نسباً تضليلية عن مكونات المادة الحقيقية.
تم تشديد العقوبات منذ سنوات قليلة بقانون صدر عام 2015


ثمة سبب آخر هو أن ردع الفلسطينيين (من الضفة المحتلة) المتعاملين بالزراعة والتجارة لن يحلّ المشكلة، نظراً إلى ارتباط تجار كبار ومزارعي مخدرات من فلسطينيي الـ48 بأراضي الضفة أو بمالكيها، وذلك ضمن علاقات قرابة ومصاهرة، فضلاً عن إمكانية استئجار الفلسطينيين من حَمَلة الهوية الإسرائيلية أراضي ومباني داخل الضفة، وتجديد أساليبهم وأماكن زراعتهم، ويكفي هربهم لضمان عدم محاسبتهم بشدة، بل حتى لو ضبطتهم الشرطة الفلسطينية، لا تمكن محاكمتهم لديها وسجنهم. كما أن سجلّ المشتل نفسه قبل اكتشافه يظلّ مخفياً عن الرأي العام، لأن دائرة الإعلام في الشرطة لا تعلن نتائج التحقيقات، فلا يظهر إذا ما كان صاحب المشتل قد زرع النباتات المخدرة فيه للمرة الأولى، أو نجح في التواري عن الأنظار وقطف دورات إنتاجية سابقة قبل اكتشافه.
في المقابل، أفرزت الصعوبة البالغة في القضاء جذرياً على زراعة المخدرات مبادرات شعبية شبابية تعمل على ملاحقة التجار والمروجين داخل الضفة. وتكشف مصادر خاصة أن بداية «عمليات الردع الشعبية» كانت في منطقة ضواحي القدس (مخيم قلنديا، كفر عقب)، لكنها لم تكن فعّالة كما يجب، بسبب سيطرة العدو على هذه المناطق المصنفة «ج». أما في الضفة، فتولّت مخيمات بيت لحم زمام المبادرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، ثم امتدّت خلال السنتين الماضيتين لتطاول مخيم العروب في الخليل (جنوب)، وأخيراً وصلت «الردع الشعبية» هذا العام إلى مخيمَي طولكرم وعسكر القديم (شمال).
تقول المصادر إن بعض أجهزة أمن السلطة في عدد من مدن الضفة لا يمانع «عمليات الردع الشعبية» لتجار المخدرات، شريطة أن تكون تحت جناحه وبإشرافه من تحت الطاولة، وهذا ما يحدث في معظم المخيمات والمناطق التي تنطلق منها هذه الحملات. ويبدو أن الشرطة تؤيدها، لعلمها بصعوبة ردع التجار والمروجين من حَمَلة الهوية الإسرائيلية على وجه الخصوص، وأن الأمر جاء تحت ضغط المزاج الشعبي العام. كذلك، تذكر المصادر نفسها أن مجموعات أخرى لا تشرف عليها السلطة تكافح المخدرات، وتكوّنت من ناشطين في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» في مخيمات بيت لحم (جنوب) خاصة، وعناصر من «فتح»، بعضهم أعضاء سابقون في ذراعها العسكرية «كتائب شهداء الأقصى».
وتتنوع عمليات «الردع الشعبية» بين إلقاء زجاجات حارقة صوب ممتلكات المروجين والتجار، وفي أحيان أخرى ضربهم بالعصي أو إحراق مركباتهم الشخصية، وفي حالات قليلة إطلاق النار على المروجين للترهيب أو على أقدامهم مباشرة، لكن تلك العمليات لا تمثل حسماً، كما تفتقد الضبط الكامل لكي لا تُستغل لأغراض أخرى. والأسبوع الماضي، شهدت نابلس (شمال) لأول مرة إحراق مركبة أحد مروجي المخدرات، بعدما لاحقه مسلحون من مخيم عسكر، وأطلقوا النار عليه، قبل تسليمه للشرطة رسمياً وإقرار الأخيرة بالقبض عليه في ليلة وقوع الحادثة.