لم يعد شعار «لا للعهدة الخامسة» المطلب الموحّد للمعارضة أو التظاهرات المستمرة في الجزائر للأسبوع الرابع على التوالي، بل ثمة فريقان برزا في صفوف المعارضة، وفق مراقبين، إثر قرارات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التي أعلنها فور عودته من العلاج في جنيف. من هؤلاء من يخشى خيبة الأمل، ولا يثق بقدرة السلطة على إنتاج نظام جديد، ومنهم من يسعى إلى تكرار سيناريو عام 1992، حين بدت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» على شفير الفوز بالغالبية البرلمانية في الانتخابات، قبل أن تُحرم ذلك بعد تدخل الجيش الذي ألغى نتائجها، ليندلع بعدها صراع عنيف لسنوات. فالقرارات الجديدة أدخلت البلاد في حلقة جديدة عنوانها «الثقة»، تبدو فيها الصورة أوضح لدى السلطة والمعارضة على حدّ سواء، بشأن نظرتيهما إلى «خريطة الطريق» للخروج من الأزمة الراهنة.بعيداً عن الجدل السياسي حول قانونية قرارات الرئيس، ولا سيما في شأن تأجيل الانتخابات إلى أجلٍ ربطه بندوة وطنية جامعة ومستقلة من أهدافها تحديد تاريخ إجراء الانتخابات، يُبدي معارضون في رفضهم المرحلة الانتقالية بالصيغة الواردة في رسالة الرئيس الثانية عدم ثقة بالسلطة التي تطلب مهلة زمنية لتبنّي دستور يرسي نظاماً جديداً. لكن مراقبين يعيبون على بعض قوى المعارضة أنها اكتفت بالتشكيك في أهداف الندوة، فيما لم يحاول أحد منها اقتراح عقدها قبل الموعد المقرر للانتخابات الرئاسية في 18 نيسان/ أبريل المقبل، لكي تختتم قبل اليوم الذي تنتهي فيه عهدة بوتفليقة، في الـ28 من الشهر نفسه، ولتفادي تأجيل الانتخابات.
من هنا، يرى السياسي الجزائري محيي الدين عميمور، الذي عمل وزيراً للثقافة في حكومة بوتفليقة (2000-2001)، وكان ضابطاً في جيش التحرير خلال الثورة، أنه كان يمكن الرئاسةَ أن تقبل عرضاً كهذا، مضيفاً أن مجرد عدم المطالبة بتحديد موعد لـ«الندوة الوطنية»، المطلوب منها وفق رسالة الرئيس الانتهاء من المدة المحددة لها قبل نهاية 2019، يطرح تساؤلات عن جدية المشككين في نيات السلطة، خصوصاً أن «المنددين والمهاجمين لم يتوقفوا للحظة عند فضيلة واحدة يمكن أن تُنسب إلى بوتفليقة، أحد أبطال حرب التحرير».
طلبت السلطة مهلة زمنية للإعداد والتبني لدستور جديد، يرسي نظاماً جديداً


في المقابل، لا تُبدي السلطة ثقة بـ«وطنية» الاحتجاجات، في ظلّ موقفين: أميركي وفرنسي ملتبسين، خصوصاً أن واشنطن تبدي حماسة للتدخل في شؤون البلاد. هذا ما حذرت منه رئيسة حزب «العدل والبيان»، نعيمة صالحي، بالقول إن «الفترة الانتقالية أحسن من إعلان حالة الشغور، ولتفادي تدخل الدول الأجنبية في الشأن الداخلي للجزائر». لكن الجيش، الذي «يغازل» الشعب، يستمر في تطويق الأزمة السياسية بخطاب أمني، يؤكد به أنه سيحافظ على أمن البلاد «مهما كانت الظروف والأحوال»، كما قال رئيس أركان القوات المسلحة، ونائب وزير الدفاع، الفريق أحمد قايد صالح، أمس، تشديداً على ما يردده منذ بدء الأزمة، في خطاب موجه إلى «الفريق الثاني»، بأنه سيبقى «ممسكاً زمام الأمن»، وأنه لن يسمح بعودة البلاد إلى «سنوات الجمر والألم»، أي حقبة «سفك الدماء» التي عُرفت بـ«العشرية السوداء» في التسعينيات، حين كان قائداً للقوات البرية.
لأن الثقة تبدو نقطة ارتكاز الخلاف، تسعى السلطة إلى تبديد مخاوف المعارضين والمحتجين، الذين يتهمون السلطة بـ«التحايل على الشعب»، إذ أعلنت الحكومة أمس، استعدادها لإجراء محادثات مع المحتجين، قائلة إنها تستهدف نظام حكم يستند إلى «إرادة الشعب»، وبمشاركة المعارضة والمجتمع المدني، وهو ما أكده رئيس الوزراء المعين، رمطان لعمامرة، أمس. لكنه، رغم أنه دبلوماسي محنك ويحظى باحترام، تعيب عليه المعارضة قبوله قبل أسبوع من بدء الاحتجاجات، تولي منصب مستشار بوتفليقة، الذي كان قد أعلن حينها ترشحه لولاية خامسة.
من جهة أخرى، تحاول السلطة تأكيد استقلالية «الندوة الوطنية»، بعد تسريبات إعلامية عن نية الرئاسة تعيين الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي لرئاسة «مؤتمر الحوار الوطني»، وهو ما نفاه الإبراهيمي أمس، فيما أبدى معارضون امتعاضاً مما اعتبرته «ممارسة فوقية دون التشاور مع الشعب بتعيين شخصية مقربة من رئيس البلاد»، خصوصاً أن رسالة بوتفليقة لم تنطوِ على أي إيضاحات حول معايير اختيار رئيس الندوة والأعضاء المفترض مشاركتهم فيها.
وتتجه المعارضة في المقابل، إلى التصعيد، إذ قالت أمس إن السلطة الحالية «غير مؤهلة» لقيادة مرحلة انتقالية، في اجتماع هو الخامس من نوعه، شاركت فيه أهم وجوهها، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، ووزير الإعلام الأسبق عبد العزيز رحابي، إلى جانب قادة وممثلين عن أحزاب معارضة ونقابات وناشطين. كذلك، دعت نوابها إلى الانسحاب من البرلمان بغرفتيه، وسط أنباء عن قرار رئاسي بحل البرلمان خلال ساعات، لكن لعمامرة أكد في وقت لاحق أمس أن ذلك لن يحصل، وأن جميع الهيئات ستواصل عملها بصورة عادية إلى غاية انتخاب رئيس جديد للبلاد.