المشهد على مشارف المعركة الحاسمة في يبرود سبقته تطورات لافتة قبل التحوّلات المنتظرة. في هذا المشهد ما يلي: صمت لافت من قبل الدول التي دعمت المعارضة بالسياسة والسلاح في شأن تقدم الجيش في أكثر من مكان. هل ثمة ضوء أخضر أُضيء في مكان ما لاقناع العالم بأن الجيش يؤدي غرضاً دولياً واقليمياً جليلاً يتعلق بضرب الارهاب؟ يبدو ان الامر يسير في هذا الاتجاه.

كلام عسكري أمني أميركي خطير ورد على لسان مدير المخابرات الوطنية الاميركية حول مستقبل الرئيس السوري. قال جيمس كلابر ان الاتفاق الكيميائي مع سورية عزّز وضع الرئيس بشّار الاسد. أعقبه كلام شبه مماثل من وزير الخارجية. قال جون كيري ان الاسد حقق تقدماً ميدانياً، لكنه لم ينتصر ولم يخسر. هل تمهّد هذه التصريحات للقبول بالامر الواقع؟ أي بأن الاسد سيترشّح الى الانتخابات بعد اشهر قليلة وسيفوز وستقبل اميركا؟ يبدو ان الامور هي في هذا الاتجاه.
تصريحات سعودية مفصلية. أولها الامر الملكي بمعاقبة الارهابيين وحاملي الفكر التكفيري. ثانيها اعلان السفير السعودي في انقرة تسهيل عودة المسلحين السعوديين من سوريا. ثالثها، وهو أمر سابق على القرارين المذكورين: تعيين وزير جديد للتربية والتعليم هو الامير خالد الفيصل والمباشرة في مشروع تغيير المناهج التربوية، وتعيين الدكتورة هيا بنت عبدالرحمن بن محمد السمهري في منصب المدير العام للتدريب والابتعاث، ناهيك عن مليارات الدولارت التي خصّصها الملك عبدالله لهذه الوزارة. هل هذه امور مطلوبة أميركياً وغربياً بعد تمدّد موجات الارهاب وانتقال القرار الدولي من اولوية اسقاط الاسد الى اولوية محاربة هذا الارهاب؟ يبدو ان الامور هي في هذا الاتجاه قبيل زيارة باراك اوباما الى الرياض. لا يمكن تفسير قبول قوى 14 آذار الجلوس الى جانب حزب الله في حكومة واحدة سوى من هذه الزاوية.
تقارب ايراني ــــ تركي «منقطع النظير» منذ عقود وفق تعبير مرشد الثورة السيد علي خامنئي. صحيح ان زيارة رجب طيب اردوغان الى طهران بقيت بعيدة عن منطق التفاهم حول مستقبل الرئيس الاسد، لكنها حسمت مسألة اتخاذ تركيا اجراءات مباشرة لوقف الارهاب. كان اردوغان قال في نقاشه مع وزراء الاتحاد الاوروبي في 21 كانون الثاني الماضي ان الارهاب متمثل بأربعة اطراف، هي «القاعدة» و«النصرة» و«داعش» والحزب الديمقراطي الكردي. هذا يعني، اولاً، انه بات مضطراً لاقفال الطريق امام مسلّحين صوب سورية، وثانياً ان الاتفاق مع حزب العمال الكردستاني على شفير الانهيار.
ماذا في المعلومات؟
أولاً: يقول مسؤول اقليمي شريك في الملف السوري «ان معركة يبرود ستقلب كل معادلة الحرب في سوريا وتدفع المحور الآخر الى القبول بمنطق ان السلطة السورية صارت على مشارف ربح الحرب». منطق المسؤول يقود الى بلدة عرسال، بحيث ان معركة يبرود ستقطع كل طرقات الامداد وتؤدي الى تطويق المدينة مقدمة لسقوطها العسكري. هذا يفرض على تيار 14 آذار والسعودية الأخذ بوقائع جديدة على الارض والقبول بأمر واقع. ربما في هذا المنطق بعض المغالاة في التخفيف من قدرة الطرف الاخر على فتح جبهات مضادة في درعا المحاذية للحدود الاردنية او حتى داخل لبنان. المغالاة ممكنة، لكن مسؤولاً لبنانياً رفيعاً من قوى 8 آذار يؤكد ان ثمة خطة قد أُعدّت لمواجهة اي تطورات او تفجيرات وان «لا حدود جغرافية او امنية او سياسية لهذه الخطة». هل في ذلك سبب لتأخير الحكومة؟ يبدو ان الامور سارت فعلاً في هذا الاتجاه، خصوصاً بعدما اكتشف حزب الله «تلاعباً» من قبل بعض الوسطاء الجدد. ما كان مقبولاً قبل عام لم يعد مقبولاً اليوم. هكذا يقول فريق 8 آذار وحلفاؤه في الداخل والخارج. ترافق ذلك مع استنجاد «الجيش الحر» بالجيش السوري اكثر من مرة، مؤخراً، لدعمه بالمدفعية ضد «داعش» و«النصرة». رفض الجيش لاعتباره الجميع في سلة واحدة. سعى «الجيش الحر» الى التواصل مع حزب الله على الارض السورية. ربما قدّم له الحزب العون. هكذا تجري حالياً التسويات تحت الطاولة لاستسلام الجماعات المسلحة. الحزب والجيش السوري ينسّقان ويتبادلان الادوار في بعض المحاور.
ثانياً: يروي دبلوماسي اقليمي مهتم بالشأن السوري انه في احد الاجتماعات الامنية الاخيرة التي استضافها الاردن، قبل نحو شهرين، قال مسؤول أميركي للحاضرين، وهم من السعودية والاردن ودول غربية وربما مسؤول اسرائيلي: «عليكم الاعتياد على فكرة ان الاسد باق وانه قد يربح المعركة، وعليكم التفكير في فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية». وقع الكلام الاميركي على الحضور كماء باردة في الصقيع الاردني.
ثالثاً: أكد مسؤول روسي بارز لطهران ودمشق مؤخرا ان «الاسد شخصياً»، وليس النظام، بات خطاً احمر ولا شيء سيمنع ترشحه وفوزه في الانتخابات المقبلة. فوجئ الايرانيون بأن الروس الذين كانوا في بداية الازمة السورية يبحثون احتمالات عدة، صاروا الان يوازون التشدد الايراني نفسه في شأن بقاء الاسد.
رابعاً: حاول الاميركيون إقناع ايران ببعض الحلحلة في الملف السوري. ذهب وزير الخارجية جون كيري الى مقر نظيره الايراني محمد جواد ظريف في فندقه في قمة ميونيخ. قال له: جئت ابحث معك ملف سورية. رد ظريف: «انا لست مخولا بالامر ، ثم اننا نريد قبل ذلك حسم الملف النووي». تريد طهران حصر النقاش بهذا الملف لكي لا تستخدم الملفات الاخرى للضغط عليها. من هذا المنطلق سعت، هي نفسها، لعرقلة حضورها في مؤتمر «جنيف 2». ليس صحيحاً كل الكلام عن انها كانت تريد الحضور وان الدعوة سُحبت. هي نفسها سعت لذلك لكي لا يقال ان «جنيف 2» فشل بسببها، ولأنها تدرك ان الجولات الحالية مجرد ديكور لتفاهم لم ينضج تماماً بعد. لم ينتبه، ربما، بان كي مون الى ان ايران قالت انها تحضر من دون اي شرط مسبق لكي تُسحب الدعوة منها. من يراجع تصريحات طهران بعد «جنيف 1» يفهم انها، مذاك، وافقت على بنوده، فلماذا ترفضها الآن؟ فقط لكي تجد ذريعة لعدم الحضور.
خامساً: بعد خروج قطر من الملف السوري وتسليمه الى السعودية، هناك شخصيتان محوريتان خرجتا منه ايضاً، هما الامير بندر بن سلطان والسفير الاميركي السابق في سوريا روبرت فورد. معلومات موسكو وطهران تؤكد ان دور الرجلين انتهى.
سادساً: ملف النفط في لبنان صار في أوجه. لا يوجد سوى احتمالين، فاما تفاهم مع ايران وحزب الله وسوريا وروسيا لكي تدخل الدول مطمئنة الى هذه الثروة الهائلة، او محاولة القضاء على الحزب وحلفائه. يبدو ان الاحتمال الاول بات المرجّح.
هل ستسير الامور، فعلاً، وفق هذه الوقائع ووفق رغبات محور روسيا ــــ ايران ــــ سوريا ــــ حزب الله؟
من المهم التذكير بأن الكونغرس الاميركي شرّع، قبل فترةـ اعادة تسليح المعارضة «المعتدلة». التذكير مهم، ايضاً، بأن لبنان بات مرتعاً لخلايا انتحارية تكفيرية نائمة. لم تظهر، على الاقل حتى الآن، اشارة الى ان المحور الآخر تراجع فعلياً عن فكرة محاولة أخيرة لاسقاط النظام، او على الاقل اعادة كسر التوازن العسكري، او احراج حزب الله بالتفخيخ والاغتيال. الحرب ستستمر اذاً. لكن اذا ما استمر معها التقدم في ملف التقارب الايراني ــــ الغربي، واستمر معها تقدم الجيش السوري واقتتال المسلحين وتفكك المعارضة، فان الامور تبدو أكثر ميلاً لمصلحة الاسد وايران وحلفائهما من سوريا الى العراق ولبنان وصولاً الى اليمن. في هذا المشهد بالذات يبدو جيمس كلابر على حق.
وإذا ما اضيف الى ذلك أن لا اخلاق في السياسات الدولية وانما مصالح. يمكن للمرء ان يتوقع كل التحوّلات.