سلفيت | استقبل عمر أبو ليلى نخبة العدو الإسرائيلي بالرصاص، رافضاً تسليم نفسه بعد 60 ساعة على مطاردته. صواريخُ مضادة للدروع أُطلقت على مخبئه الأخير، وفوقها رصاصٌ كثيف وحصارٌ كامل. ساعتان من الاشتباك لم يسانده فيهما سوى عشرات الشبّان بالحجارة و«المولوتوف»، عندما وصلهم نبأ حصار عبوين القديمة. انتهى الاشتباك، وارتقى أبو ليلى شهيداً، وللمفارقة بالبندقية التي اغتنمها من أحد جنود سلاح مدفعية الجيش الإسرائيي. هذا ملخّص الليلة الأخيرة للشاب الذي خاض قبلها 3 اشتباكات في عملية واحدة في سلفيت.لم تستطع الوسائل الإعلامية الإسرائيلية منذ البداية إخفاء الشجاعة التي تحلّى بها الشهيد عمر أبو ليلى (19 عاماً) حتى لحظاته الأخيرة، فضلاً عن بطولة عمليته. فقد نقلت أن أبو ليلى باغت قوة «يمام» الخاصة التي حضرت لقتله أو اعتقاله، إذ بادرها بإطلاق النار، ليردّ الجنود الذين احتشدوا بثلاث كتائب، بالرصاص وبإطلاق عدد من الصواريخ المضادة للدروع نحو المنزل الذي تحصّن فيه. «كان الشاب يُكبّر ويُطلق الرصاص، ثم اختفت التكبيرات وتوقف الرصاص»، هذه شهادة الحاجة العَبوينية أم عايد، صاحبة المنزل المستهدف.
فور ورود نبأ اقتحام «مستعربين» قرية عبوين، إلى الشمال الغربي من رام الله (وسط الضفة المحتلة)، تصدّى عشرات الشبّان بالحجارة والمفرقعات النارية للقوات التي جاءت لإسناد القوة الخاصة، ودارت مواجهات عنيفة في الشوارع أسفرت عن إصابة 10 على الأقل. وفق الرواية الإسرائيلية، دفع جنود العدو بكلاب بوليسية إلى المنزل المُحاصَر بعد انقطاع الرصاص، خوفاً من وجود قنابل ناسفة على جسد الشهيد وللتأكد من موته، ولم يدخلوا إلا بعد ذلك. تقول مصادر محلية إن المنزل الذي شهد الاشتباك الرابع والأخير لأبو ليلى يقع في منطقة البيوت القديمة داخل عبوين، وهو مبنى قديم جرى ترميمه، ومكوّن من طبقتين بسقائف وأقواس حجرية. وعند دخول طواقم الإسعاف، عثرت على آثار لدماء الشهيد وبعض ملابسه وبقايا رصاصات في المكان. أما جدران المنزل، فحفرت فيها الصواريخ آثاراً، كما امتلأت بآثار الرصاص.
ومن متابعة حملة العدو خلف المقاوم الشاب، يمكن استخلاص أن بداية أعمال التمشيط والبحث بدأت في بلدتَي بروقين وكفر الديك، غربي سلفيت (شمال)، المجاورتَين لمكان العثور على المركبة الإسرائيلية التي سيطر عليها قبل انسحابه. كثّف العدو بحثه هناك في عدد من الأودية والمناطق الجبلية، كما أطلق منطادَي مراقبة وطائرة استطلاع في أجواء غرب سلفيت. وفي اليوم الثاني عقب العملية، توسعت حملة الملاحقة في وجهة معاكسة لليوم الأول، إذ شن العدو عملية تمشيط واسعة لمنطقتَي الحرايق والخانق على الطريق الواصل بين قريتَي قراوة بني زيد إلى الشمال الغربي من رام الله، وبروقين غربي سلفيت.
قطع الشهيد عشرات الكيلومترات ركضاً من موقع العملية


بنظرة سريعة على الخرائط، وتسلسل عمليات الدعم، فإن مسافة تزيد على 10 كلم على الأقل، و25 كلم على أكثر تقدير، قطعها عمر ركضاً من مكان العثور على السيارة قرب بروقين، إلى موقع استشهاده، رغم التحليق المكثف والمتواصل لطيران الاستطلاع. وعملياً، كانت بلدة الزاوية، التي ينحدر منها الشاب، وكذلك بروقين وكفر الديك المجاورتان لها، المسرح الأبرز للبحث، إذ اعتقل الجيش شبّاناً من الزاوية، بعضهم أصدقاء للشهيد ومقرّبون منه، كما فجّر أبواب محالّ تجارية لأقارب أبو ليلى في بلدة بديا، ودهمها واستولى على تسجيلات كاميرات المراقبة، وأيضاً اقتحم الجيش منزل الشهيد مرات عدة خلال المطاردة.
الملاحظ أنه رغم اتباع العدو العقاب الجماعي، بما فيه هدم المنازل، فإن الفلسطينيين يثبتون عقب استشهاد كل مقاوم أنهم أوفياء للشهيد وعائلته، ويؤكدون فشل سياسة «الردع» التي يحاول العدو فرضها. في إطار ذلك، يأتي تعهد «مجلس الخدمات المشترك» في سلفيت بإعادة بناء منزل أبو ليلى في حال هدمه، وهذا ما بثّ روحاً معنوية عالية حتى منذ ما قبل استشهاد عمر. كذلك، أطلق ثلاثة فلسطينيين حتى اللحظة اسم عمر على مواليدهم الجدد الذين رُزقوا بهم بعد ساعات من استشهاد أبو ليلى، والمواليد الجُدد من رام الله، ودير بلوط غربي سلفيت، وبيت فجار جنوبي بيت لحم. أيضاً، لا يغيب مشهد قرية عبوين عن ذكر الحاضنة الشعبية للمقاومين خلال مطاردتهم أو عقب استشهادهم، فالمواجهات استمرت لساعات داخل القرية، وحتى عندما انقشع غبار المعركة، إذ هاجم الشبّان آليات «يمام» بالزجاجات الحارقة.
أمس أيضاً، شيّعت جماهير نابلس جثمانَي الشهيدين زيد نوري ورائد حمدان اللذين ارتقيا في الليلة نفسها لاستشهاد أبو ليلى، عقب إطلاق العدو النار على الشابَين خلال اقتحام المدينة. ووفق شهود عيان، مرّ نوري وحمدان بمركبتهما خلال وجود جيش العدو شرق المدينة، ووسط مواجهات مع الشبّان والجنود أطلقوا النار على مركبتهما ثم لاحقوها، لتهاجمها بعدها جرّافة عسكرية وتقلب السيارة مرات عدة. وبينما قالت مصادر محلية إن الشاب عمر أمين أبو ليلى كان يدرس في كلية الاقتصاد في جامعة القدس المفتوحة، وبجانب دراسته كان يُساعد والده في أعمال القرميد، أشارت إلى أن الشهيد زيد نوري هو شقيق الاستشهادي عماد الذي نفذ عملية في تل أبيب برفقة الشهيد برق خليفة عام 2003، وأدت إلى مقتل نحو عشرين إسرائيلياً.
إلى ذلك، استشهد في وقت متأخر مساء أمس الشاب أحمد جمال مناصرة وأُصيب آخر بـ«جراح حرجة» جراء إطلاق العدو النار على مركبة كانا فيها قرب حاجز عسكري أقامته في منطقة النّشاش في بيت لحم (جنوب).